وجرم في التعدية مثل كسب يتعدى إلى واحد. جرم فلان الذنب، وكسب زيد المال، ويتعدى إلى اثنين جرمت زيداً الذنب، وكسبت زيداً المال. وبالألف يتعدى إلى اثنين أيضاً، أجرم زيد عمراً الذنب، وأكسبت زيداً المال، وتقدم الكلام في جرم في العقود. وقرأ مجاهد، والجحدري، وابن أبي إسحاق، ورويت عن نافع: مثل بفتح اللام، وخرج على وجهين: أحدهما: أن تكون الفتحة فتحة بناء، وهو فاعل كحاله حين كان مرفوعاً، ولما أضيف إلى غير متمكن جاز فيه البناء، كقراءة من قرأ أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون. والثاني: أن تكون الفتحة فتحة إعراب، وانتصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي: إصابة مثل إصابة قوم نوح. والفاعل مضمر يفسره سياق الكلام أي: ان يصيبكم هو أي العذاب.
في من يأتيه أن تكون موصولة مفعولة بقوله: تعلمون أي: تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب، واستفهامية في موضع رفع على الابتداء، وتعلمون معلق كأنه قيل: أين يأتيه عذاب يخزيه، وأينا هو كاذب. قال ابن عطية: والأول أحسن، يعني كونها مفعولة قال: لأنها موصولة، ولا يوصل في الاستفهام، ويقضي بصلتها إن المعطوفة عليها موصولة لا محالة انتهى. وقوله: ويقضي بصلتها الخ لا يقضي بصلتها، إذ لا يتعين أن تكون موصولة لا محالة كما قال، بل تكون استفهامية إذا قدرتها معطوفة على من الاستفهامية، كما قدّرناه وأينا هو كاذب.
قال الزمخشري: (فإن قلت): أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في سوف تعلمون؟ (قلت): أدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا: فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا، وعملت أنت؟ فقال: سوف تعلمون، يوصل تارة بالفاء، وتارة بالاستئناف، كما هو عادة البلغاء من العرب. وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه.


الصفحة التالية
Icon