وقرأ الجمهور: ﴿فإن الله هو﴾؛ وقرأ نافع وابن عامر: بإسقاط هو، وكذا في مصاحف المدينة والشام، وكلتا القراءتين متواترة. فمن أثبت هو، فقال أبو علي الفارسي: يحسن أن يكون فصلاً، قال: ولا يحسن أن يكون ابتداء، لأن حذف الابتداء غير سائغ. انتهى. يعني أنه في القراءة الأخرى حذف، ولو كان مبتدأ لم يجز حذفه، لأنك إذا قلت: إن زيداً هو الفاضل، فأعربت هو مبتدأ، لم يجز حذفه، لأن ما بعده من قولك الفاضل صالح أن يكون خبراً لأن، فلا يبقى دليل على حذف هو الرابط. ونظيره: ﴿الذين هم يراءون﴾، لا يجوز حذف هم، لأن ما بعده يصلح أن يكون صلة، فلا يبقى دليل على المحذوف. وما ذهب إليه أبو علي ليس بشيء، لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وتركيب إحداهما على الأخرى، وليس كذلك. ألا ترى أنه يكون قراءتان في لفظ واحد، ولكل منهما توجيه يخالف الآخر، كقراءة من قرأ: ﴿والله أعلم بما وضعت﴾ بضم التاء، والقراءة الأخرى: ﴿بما وضعت﴾ بتاء التأنيث؟ فضم التاء يقتضي أن الجملة من كلام أم مريم، وتاء التأنيث تقتضي أنها من كلام الله تعالى، وهذا كثير في القراءات المتواترة. فكذلك هذا يجوز أن يكون هو مبتدأ في قراءة من أثبته، وإن كان لم يرد في القراءة الأخرى، ولكل من التركيبين في الإعراب حكم يخصه.
﴿وجعلنا﴾: يحتمل أن يكون المعنى وخلقنا، كقوله: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾، ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا، فيكون ﴿في قلوب﴾: في موضع المفعول الثاني لجعلنا. ﴿ورهبانية﴾ معطوف على ما قبله، فهي داخلة في الجمل. ﴿ابتدعوها﴾: جملة في موضع الصفة لرهبانية.