﴿بأيكم المفتون﴾ فقال قتادة وأبو عبيدة معمر: الباء زائدة، والمعنى: أيكم المفتون؟ وزيدت الباء في المبتدأ، كما زيدت فيه في قوله: بحسبك درهم، أي حسبك. وقال الحسن والضحاك والأخفش: الباء ليست بزائدة، والمفتون بمعنى الفتنة، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً؟ وقال الأخفش أيضاً: بأيكم فتن المفتون، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف. وقال مجاهد والفراء: الباء بمعنى في، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون؟ انتهى. فالباء ظرفية، نحو: زيد بالبصرة، أي في البصرة، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية، بل هي سببية.
﴿ودوا لو تدهن﴾: لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن، أي ودوا ادهانكم، وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى: ﴿يود أحدهم لو يعمر ألف سنة﴾، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف، أي ودوا ادهانكم، وحذف لدلالة ما بعده عليه، ولو باقية على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره، وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك.
وفيدهنون عطف على تدهن. وقال الزمخشري: عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي فهم يدهنون كقوله: ﴿فمن يؤمن بربه فلا يخاف﴾، بمعنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك. انتهى. وجمهور المصاحف على إثبات النون. وقال هارون: إنه في بعض المصاحف فيدهنوا، ولنصبه وجهان: أحدهما أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت؛ والثاني أنه على توهم أنه نطق بأن، أي ودوا أن تدهن فيدهنوا، فيكون عطفاً على التوهم، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن.