ومن ذلك أيضا زعم بعض السلف أن أيات الإذن في القتال نسخت جميع آيات الصبر والعفو والإعراض والصفح، والصواب أن العفو والصبر والإعراض والصفح من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن وهي قائمة محكمة لها مواطنها التي تحمد فيها كما أن للقوة مواطنها. (١)
قال ولي الله الدهلوي في كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير " بلغ عدد الآيات المنسوخة بآيات السيف قرابة الخمسمائة، ولو تأملت لوجدتها غير محصورة، والمنسوخ باصطلاح المتأخرين عدد قليل " (٢)
الاختلاف في حمل اللفظ علي الحقيقة أو المجاز
من ذلك اختلافهم في تفسير ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ (٣): قيل كانت تحمل الأشواك وتنثرها أمام بيت رسول الله - ﷺ - إيذاء له فكان جزاؤها في الآخرة من جنس عملها في الدنيا، حيث تحمل الحطب علي ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة والتهابا وسعيرا عليها وعلى زوجها التي كانت تنفث فيه روح الحقد وتذكي نار غضبه وتضرم لهيب حسده لرسول الله - ﷺ - فيزداد حنقا عليه وايذاء له ٠
- وقيل كانت تمشي بين الناس بالنميمة فتنمي العداوة بينهم كما تزداد النار اشتعالا وحرارة حين يلقى الحطب فيها ٠
*قال القرطبي :" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة :( حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة بين الناس، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورّش به - أي حرّش به، وأغرى به قال الشاعر :

(١) - توسع الأقدمون في مفهوم النسخ فأدخلوا فيه ما ليس منه، يراجع على سبيل المثال ما ذكره أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه باب الجهاد ناسخه ومنسوخه ص ٢٦٧، كما يراجع أيضا الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ص ١٩٠
(٢) - الفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي ٥٣، ٥٤
(٣) - سورة المسد -٤


الصفحة التالية
Icon