وقال آخرون: بل معناه أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم فيما أصبتم من الآثام إلي التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات، ثم ذكر من قال ذلك فأورد أقوالا عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله ولا تتركوا الجهاد في سبيله، ثم ذكر من قال ذلك، فأورد روايات منها : بسنده عن أسلم أبي عمران، قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلي أهل مصر عقبة بن عامر، وعلي الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قال: فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه ! لا إله إلا الله، يلقي بيده إلي التهلكة ! قال أبو أيوب الأنصاري: إنما تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه ! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار. إنا لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا فيما بيننا : إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ! فأنزل الله الخبر من السماء: ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة﴾ الآية، فالإلقاء بالأيدي إلي التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.
ثم عقب ذلك بقوله :" والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله: ﴿وأنفقوا في سبيل الله﴾ وسبيله: طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم.


الصفحة التالية
Icon