ورأينا أفضل اللغات الأربعة لغة العرب، وهي أفصحها وأكملها، ولم يحرص الناس على تعلُّم شيءٍ من اللغات كحرصهم على تعلُّمها، حتى أنَّ جميع الأمم فيها راغبون، وبالفضل لها مُقِرُّون، وحتى أنهم نقلوا الكتب المُنزلة مثل التوراة والإنجيل والزبور، وسائر كتب الأنبياء إلى العربية، وكذاك نقلوا كتب الأوائل، من الفلسفة والطب والنجوم، وغير ذلك، ولم يرغب أحد من أهل القرآن والكتاب العربي في نقله إلى شيء من اللغات، فإن الملوك وأهل الشرف من كلِّ أُمة قد رَغبوا في نقل كُتبٍ لها مِقدارٌ صغير، وخطرٌ يَسير إلى لغتهم، فكيف بالقرآن الذي عظَّم الله شأنه، وأعلى قَدره، وقد حاول بعضهم نقله ؛ فعسرعليهم، فترجموا منه شيئا مثل [ بسم الله الرحمن الرحيم] (١)، ومثل سورة الحمد، على استحراجٍ شديد، ونقلٍ بعيد، وقال بعض العلماء باللغة : لو جَهد الناس أن ينقلوا قوله تعالى: [ سَيُهْزَمُ / الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر َ] (٢) وقوله :[ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى ٣أ سَوَاءٍ ] (٣) لما أمكن نقله على هذا الاختصار، حتى يُوسّع الكلام فيه، ويُزال عن سَننه، فلغة العرب هي اللغة التامة الحروف، الكاملة الألفاظ، لم يُنقص عنها شيء من الحروف ؛ فيُشينُها النُّقصان، ولم يُزَد فيها شيء ؛ فتُعيبُها الزِّيادة، وسائر اللغات فيها زيادة الحروف المولّدة، وتنقص عنها حروف هي أصلية، والحروف التامة ثمانية وعشرون حرفا، لا زيادة فيها ولا نقصان، فمدار لغة العرب على هذه الحروف، لم يُزد عليها، ولم ينقصْ عنها، ولهذه الحروف أحياز (٤) مختلفة، ومدارج بعضها فوق بعض، فالحاء والعين والخاء والغين حيزها من الحلق، والقاف والكاف حيزها اللّهاة، والجيم والضاد والشين حيزها شَجْرُ (٥)

(١) الفاتحة ١
(٢) القمر ٤٥
(٣) الانفال ٥٨
(٤) الأحياز : المخارج، المواضع ٠ لسان العرب ( حوز )
(٥) الشَّجْرُ: مَفْرَحُ الفَم، وقيل: مُؤَخَّرُه، وقيل: هو الصَّامِغ، وقيل: هو ما انفتح من مُنْطَبِقِ الفَم، وقيل: هو مُلْتَقَى اللِّهْزِمَتَيْن، وقيل: هو ما بين اللَّحْيَيْن. اللسان ( شجر )


الصفحة التالية
Icon