قال : ما أُعطي أحد إنا لله وإنا إليه راجعون إلاّ النبي عليه السلام، ولو أُوتيه أحد لأُوتيه يعقوب، حيث يقول :[يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ] (١)، فهذه الكلمات كلها ظهرت في الإسلام، على لسان محمد عليه السلام، باللسان العربي، ولم يكن لسائر الأمم هذا النظم العجيب، والاختصار الحسن، فلما وردت عليهم اضطروا إلى قبولها وتدوينها والإقرار بفضلها، ولفظوا بها عند وجوب الشكر، وطلب الصبر في وقت الاتكال والتسليم لأمر الله، وعند فاتحة كلامهم، وخاتمته، وعند كل حادث نعمة، ونازل مُلمَّة، وإن كان العلماء الماضون، ومَن درج من الصالحين قد عرفوا معانيها، فإنهم لم يرسموها هذا الترسيم لأممهم، على هذا الكلام والإحكام، وادّخرها الله لنبيه تفضيلا له وتشريفا لمنزلته ٠
... وإنما حذفوا الألف من [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] (٢)، لأنها في صدر كل سورة، وكثُرت مع هذا على ألسنتهم ؛ فاستخفوا حذفها لأنها وقعت في موضع معروف، لا يجهل القارئ معناه ؛ لأن من شأن العرب ألاّ تجاوز (٣) الاختصار والحذف، ألا ترى أنك تقول : بسم الله عند ابتداء كل فعل تأخذ فيه من مأكل أو مشرب أو ذبيحة، فخف عليهم الحذف، ولم يحذفوا الألف من قوله :[ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ] (٤) وأشباهها، لأنها لم تكثر كثرة بسم الله، وقال / قوم إنما ١٢أ حذفت الألف من بسم الله لأن الأصل كان سِِم، تقول : هذا اسم الشيء، وسِم الشيء، وأنشد :" من الرجز "
بسمِ الذي في كل سُورةٍ سِمُهْ (٥)

(١) يوسف ٨٤
(٢) الفاتحة ١
(٣) كتبت يحازو
(٤) الواقعة ٧٤، ٩٦، الحاقة ٥٢
(٥) الألف في بسم الله وصل لأن تصغيره سمي. وحكى أبو زيد في نوادره، ص ١٦٦ أن العرب تقول: هذا اسم وهذا سِم وسُم وأنشد، وقال رجل زعموا أنه من كلب :
بسم الذي في كل سورة سمه
ويروى سمه، وإنما ضموا السين وكسروها، لأنه سموت وسميت بمعنى ارتفعت وعلوت، فمن قال: سم فكسر فمن سميت ومن قال سم فهو من سموت. ومعنى قولك: أسميت لفلان فلاناً، وإنما هو رفعت له صفته وما يعرفه به حتى عرفه. انظر : الصاحبي، ص ٣٨٣، وأدب الكتاب للصولي، ص ٣٣ ٠


الصفحة التالية
Icon