الدنيا والآخرة : قال الله تعالى: [وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ ] (١) جعل الآخرة نعتا للدار، وقال :[وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ] (٢) فجعل الدنيا نعتا للحياة، والآخرة نعتا للدار، والدنيا اشتقاقها من الأدنى، وهكذا قال تعالى :[إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا] (٣) فجعل الدنيا نعتا للعدوة، فقرر لك أن الدنيا ليس باسم إنما هو نعت، والنعت لا بدّ أن ينعت لاسم قد تقدمه، وربما أقيم النعت مقام الاسم إذا كان الاسم مشهورا، وقد ذهب قوم إلى أن الدنيا هي الأرض والسماء وما بينهما، وهو خطأ ؛ لأن الآخرة أيضا في السماء والأرض، فإن كانت السماء والأرضون هي الدنيا فأين الآخرة ؟ وقال قوم : إنّ الآخرة لا تكون إلاّ بعد انقضاء الدنيا، قلنا : فإن كان كذلك فمن قد مات هو في الدنيا، لا يجوز أن يقال : مضى إلى الآخرة إذا كانت الآخرة لم تخلق، ولكنا نقول : هما حياتان، فمن كان في هذه الحياة، فهو في الدنيا، لأن الله جعل الحياة نعتا للدنيا، والدنيا اشتقاقها من الأدنى، أي هي أقرب الحياتين (٤)، والآخرة هي الحياة الآخرة، وكل شيء له طرفان، فالأدنى منهما إليك هو الدنيا، والأبعد الآخرة، فما دام الإنسان في هذه الحياة، قيل : هو في الدنيا، أي في الحياة الدنيا، فإذا صار في الحياة الآخرة، قيل : هو في الآخرة، أي في الحياة الآخرة ٠

(١) الأعراف ١٦٩، الأحزاب ٢٩
(٢) آل عمران ١٨٥، الحديد ٢٠
(٣) الأنفال ٤٢
(٤) كتبت الحياتان


الصفحة التالية
Icon