ثم لا يُقال في اللغة الواحدة : إنّها لغاتٌ مختلفة من حيث عَبَّرت عن معان مختلفة بعبارات مختلفة، لذلك قلنا إنّ التيسير الذي حصل لهذه الامة مِن إنزاله القرآن على سبعة أحرف أي: على سبع لغات إنما هو فيما لا تختلف فيه المعاني.
وعلى ذلك دَلَّ ما حدَّثنا به الغطريفي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الفرات الخوارزمي، قال: حدثنا أبو أحمد موسى بن الأسود الخوارزمي، قال: حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك، قال: حدثنا عبد السلام بن عبد القدوس، قال: حدثني أبي، عن الحسين، قال: قال أنس بن مالك (ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ و حَلَلّنا عَنْكَ وِزْرَكَ ) (١) ]الشرح١، ٢[ قال الحسين: قلت: يا أبا حمزة، هذه قراءة أعرابية، قال: ولِمَ ؟ قلت: و وضعنا عنك وِزرَك، قال: و وضَعنا و حَطَطَنا و حَلَلْنا كُلاً قراءة، إنَّ جبريلَ أتى النبيَ عليه السلام فقال: يا محمدُ إنَّ ربَّكَ... يأمركَ أنْ تقرأَ القرآنَ على حَرفٍ قالَ: زِدْني، قالَ: اثنين، قال: زِدْني، قالَ: ثلاثة، قالَ: زِدْني، فلمْ يَزَلْ يَستَزِيدُهُ حتى عَدَّ سبعةَ أحرفٍ (٢).
قال الإمام الهادي: ألا ترى أنّه اعتبر الألفاظ المبينة عن معنى واحد دون ما يختلف به المعنى. و كذلك رُوي عن ابن مسعود أنّه قال في اختلاف القراءة: إنها بمنزلة قولهم: هَلُمَّ و تعالَ وأقبِلْ (٣).
و لقد حدثنا أبو أحمد الغطريفي، قال: حدثنا أبو خليفة الفضل بن حباب الجمحي، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن ابراهيم، عن همام بن الحارث أنّ أبا الدرداء كان يُعلمُ رجلاً، فقال: (طَعَامُ الأثِيمِ ) ]الدخان٤٤ [ فقال الرجل: طعام اليتيم، فكرره عشرين مرَّة، فقال: قُل: طعامُ الفاجر (٤).
(٢) مقدمة كتاب المباني ٢٢٨-٢٢٩.
(٣) المصدر نفسه ٢٢٩.
(٤) مقدمة كتاب المباني ٢٢٩.