وكذلك فإن الشراح كالنووي والعيني وابن حجر والسهارنفوري وغيرهم ممن شرحوا كتب السنن في شرحهم لتلك الأحاديث فلم يذكروا أن فيها دلالة على الوجوب، وقد ذكرت نبذاً من كلامهم عليها؛ لتفسير بعض المعاني الواردة فيها، وليطلع القارئ الكريم على عدم تطرقهم لما ادعاه المعاصرون، ومَن أراد زيادة الإطلاع يمكنه أن يراجعها.
ثالثاً: الإجماع:
ادعوا: أنه قد أجمعت الأمة من عهد نزول القرآن إلى وقتنا هذا على وجوب قراءة القرآن قراءة مجوَّدة سليمة من التحريف، بريئة من الزيادة والنقص، مراعىً فيها ما يجب مراعاته في القراءة من القواعد والأحكام، لا خلاف بين المسلمين في كل عصر. وأن نقل القرآن بأصواته وحركاته وسكناته وهيئاته ومده وإدغامه على مر العصور؛ ليؤكد اتفاق المسلمين من عهد الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا على قراءة القرآن الكريم مرتلاً مجوداً، ولا شكّ أن الصحابة قد قرؤوه بهذه الصورة تلقياً عن رسول الله - ﷺ -.
ويمكن الجواب عن كلامهم هذا بما يلي:
الأول: أنهم لم يستطيعوا أن يذكروا اسم عالم واحد من العلماء الكبار الذي عهد عنهم نقل الإجماعات في كتبهم في أنه نص على إجماع الأمة على الوجوب.
الثاني: أن ما ذكروه من الكلام لا خلاف فيه، ولكن الخلاف في أن هذا الحفظ الذي عهد من الأمة للقرآن بكل أحكامه، ومنها التجويد، هل يدل على الوجوب؟ فإذا كان كلامهم صحيحاً فإن ما وصل إلينا من أفعال الرسول - ﷺ - والصحابة، وقد حافظت الأمة على هيئته فهو واجب، بناءً على ما ذكروا، وعليه فلا يوجد من أفعال الرسول - ﷺ - والصحابة ما يفيد غير الوجوب كالسنة والاستحباب، وهذا لم يقل به أحد، ولا يمكن أن يقول به أحد من العقلاء؛ لأنه ينتقض بالتفصيل الوارد في أفعال الرسول - ﷺ - والصحابة - رضي الله عنهم - بين واجب وسنة ومستحب ومباح وغيرها في جميع كتب الشريعة.