وأكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعدا، هي من هذا القبيل، ومثال ذلك قوله :( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل )، فسر بالزوال، وفسر الدلوك بالغروب، وحكيا قولين في كتب التفسير، وليسا بقولين بل اللفظ يتناولهما معا، فإن الدلوك هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل مبدأ، ومنتهى، فمبدأه الزوال، ومنتهاه الغروب، فاللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار، لا يتناول المشترك لمعنييه، ولا اللفظ لحقيقته ومجازه.
ومثاله أيضا ما تقدم من تفسير الغاسق بالليل والقمر، وإن ذلك ليس باختلاف بل يتناولهما لتلازمهما فإن القمر آية الليل، ونظائره كثيرة.
ومن ذلك قوله عز وجل :( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )، قيل لولا دعاؤكم إياه، وقيل دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، وعلى الأول مضافا إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين، وعلى هذا فالمراد به نوعا الدعاء، وهو في دعاء العبادة أظهر أي ما يعبأ بكم ربي لولا أنكم تعبدونه، وعبادته تستلزم مسألته فالنوعان داخلان فيه )
فصل في نفي التساوى في القرآن الكريم
قال ابن القيم في بدائع الفوائد :( نفي التساوي في كتاب الله تعالى قد يأتي بين الفعلين، كقوله تعالى :( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن بالله ) وقد يأتي بين الفاعلين، نحو :( لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) وقد يأتي بين الجزئين، كقوله :( لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة ) وقد جمع الله بين الثلاثة في آية واحدة، وهي قوله تعالى :( وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات )، فالأعمى والبصير الجاهل والعالم، والظلمات والنور الكفر والإيمان، والظل والحرور الجنة والنار، الأحياء والأموات والمؤمنين والكفار )