٣- لمّا ذكر رحمه الله القولين في قوله تعالى: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: ٢٣] قال: والوجه الأوَّل جيِّد بالغ، وإن كان التفسير يؤيد الوجه الثاني، ثم ذكره مسنداً(١).
هذا ما أردت بيانه مختصراً من منهج الداني في "التفسير" من كتابه "المكتفى" ليكون لبنة لقيام دراسة أعمق وأشمل. والله الموفق.
الفصل الثاني
التفسير بالمأثور في كتاب "المكتفى في الوقف والابتدا"
المبحث الأوَّل:
التفسير المسند(٢) إلى النبي - ﷺ - :
معلومٌ لدى المختصّين في علوم القرآن الكريم من السلف والخلف أنَّ لتفسير القرآن الكريم عدّةَ طرقٍ، أصّحها وأعلاها تفسير القرآن بالقرآن(٣)،

(١) - المكتفى: ٤٢٨.
(٢) - المقصود به هنا المكتفى: ٤٢٨ هو: ما جاء عن النبي - ﷺ - خاصةً متصلاً أو منقطعاً. وهذا على رأي الإمام ابن عبد البر. انظر: التمهيد: ١/٢١، تدريب الراوي: ١/١٨٢.
(٣) - وهو أبلغ التفاسير؛ لأنَّه قد يرد إجمالٌ في آية مبيَّنٌ في آية أخرى، أو إبهام في آية موضّح في آية أخرى.
وهنا أمرٌ مهم أرى التنبه إليه وهو أنّ هذا النوع خطير يجب عدم المسارعة إلى القول به ممن ليس أهلاً لذلك بمعنى: يجب ألا يُدَّعى أنًّ آيةً ما هي تفسير لآية أخرى إلا بعد بيان صحة وسلامة ذلك، فليس كل ما قيل فيه إنَّه تفسير للقرآن بالقرآن صحيح؛ لأنَّ الآية المفسِّرة - بكسر السين – قد تكون ليست كذلك بل هي بالمطابقة، وإنَّما هي لبيان وجه من الوجوه، أو حالة من الحالات، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ وهو الذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بها... ﴾ [الأنعام: ٩٧]، لا يقال إنَّ الآيات الأخرى نحو: ﴿ ولَقَدْ زَيَّنَا السماءَ الدُّنيا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: ٥] و: ﴿ إنَّا زَيَّنَا السماءَ الدُّنيا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ وحِفْظاً مِن كُلِّ شيطانٍ مَارِدٍ ﴾ [الصافات: ٦، ٧]، هي تفسيرٌ لها؛ وذلك لأنَّ الآيات كلها إنَّما هي في بيان الحكمة من خلق النجوم وليس لتفسير كيفية الاهتداء. انظر: مقالات في علوم القراءات: ١٢٨ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon