وما يراه المستشرقون من تعدد القراءات اضطرابا وعدم ثبات فإنما هو صورة ما قام في أذهانهم عن كتبهم الدينية التي حرفت، وحالها الآن، بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. يقول د. محمد عبدالله دراز(١): ((يبدو أن المبشر الإنجليزي (آرثر جفري) قد وقع تحت تأثير التاريخ المسيحي الذي ألف دراسته، إلى درجة أنه يكاد يكون قد نقله بأحداثه الكاملة أثناء بحثه في المجال الإسلامي. فالواقع أنه يحاول أن يثبت أن النص القرآني قد مر بأطوار تشبه من جوانب كثيرة ما مر به الإنجيل)).
أما قراءات القرآن الكريم فلم تُحدث اضطرابا في نصه، ولا سبيل إلى ذلك أصلاً في وحي الله، فهي (كذلك أنزلت) و(كلها شاف كاف) فتعددها واختلافها هو من باب التنوع والتغاير، لا من باب التناقض والاضطراب، وحاشا كلام رب العالمين أن يعتريه اضطراب أو عدم ثبات أو تطور كما يرى المستشرقون.
يقول الإمام ابن الجزري يرحمه الله(٢): ((فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى، قال تعالى: ژچ چ چ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [النساء: ٨٢].
إن تعدد القراءات القرآنية حقيقة واقعة في الحياة الإسلامية بوحي الله، التزمها الصحابة وثبتت بطريق التواتر الذي لا شك فيه، فلم ينشأ عنها تعارض أو اضطراب بل كلها يظاهر بعضها بعضا، ويشهد بعضها لبعض))(٣)، بحيث تعتبر القراءة مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(٤)، فلا مجال لما يزعمه المستشرقون من اضطراب أو تناقض، يراه غولدزيهر أو بلاشير أو غيرهما.
(٢) النشر، ج١، ص ٤٩.
(٣) القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، الشيخ عبد الفتاح القاضي، ص١٢، وانظر: ص ١٨ منه.
(٤) مجموع الفتاوى، ج١٣، ص ٣٩١.