فمن عهد الصحابة رضوان الله عليهم، والقراء ينتهجون أسلوب التلقين للقرآن الكريم بالمشافهة والإسماع، وتتوالى عليه طبقاتهم، تعبدا به، وتفانيا في حبه وخدمته والمحافظة عليه والالتزام بآدابه في سائر شؤونهم، التزاماً دقيقاً، نابعاً من الاعتقاد بقدسية كلام الله تعالى.
يقول د. عبد الفتاح شلبي(١): ((والمطلع على كتب القراءات في تسلسل النقل وفي طرقه يجد مثلا أعلى من إحكام الضبط، والتدقيق البالغ غايته في شتى النواحي المتصلة بالقرآن الكريم وكلماته، وآياته، وطرق أدائه، ويكفي أن تقرأ الأسانيد المختلفة في سرد مشاهير من قرأ بالعشرة وأقرأ بها في الأمصار لتعلم حرص المسلمين على كتاب الله، أن يعتوره تحريف أو يبعده عن النقل بالسند الصحيح)).
الأساس في صحة السند وهو اتصال الرواية من العدول الضابطين إلى رسول الله ﷺ يمنع – أو يحيل كلية - ما يسميه غولد زيهر (مجرد اعتماد شفوي) تقبل به القراءة، أو يسمح بتغيير أساسي في صياغة النص القرآني، فيما يزعمه أيضاً من حرية القراءة بالمعنى بناء على هذا الاعتماد وغيره.
هذا فضلاً عن ضرورة اشتهار الرواية بالقراءة لدرجة استفاضتها وتواترها بين القراء الضابطين ونقلهم لها لثقتهم بها، وبمن يلتزمها، وقت التلقي عن الرسول ﷺ فمن بعده من الصحابة ثم التابعين فمن بعدهم، وهكذا يتابع الآخر الأول، على سنن أن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها ضرورة.
يقول د. محمد أبو شهبة(٢):
((إن العمدة في القرآن وحفظه هو التلقي والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمع منه، أو سمع ممن سمع منه، وهكذا حتى وصل إلينا غضاً كما أنزل)).
٢- الطعن في ركن القراءات القرآنية الثاني (رسم المصحف)
(٢) المدخل لدراسة القرآن الكريم، ص ٣٨٦.