ومع انتشار القرآن الكريم في الأعصار والأمصار كان لا بد من اعتبار هذا الرسم ضابطاً كتابياً ثابتاً لحروفه وكلماته، وتتوافر له وبه شروط التناقل من جيل إلى جيل، بالتعليم والنشر بين الناس، ويوصف أيضاً ببعض خصائص القرآن الكريم بالتبعية بعد أن أجمع عليه كبار الصحابة وارتضته الأمة الإسلامية كلها ((وورثته تركة عن أكابر الصحابة، وهم الأعرف بكتاب الله، الذين شاهدوا الوحي، والنبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه المسلمون جميعاً حتى صار الرسم العثماني خاصية من خصائص القرآن الكريم))(١).
وهذا الركن إذا ما لمحنا فيه استمداده من كتابة الوحي بين يدي النبي ﷺ بإملائه(٢)، وأن الكتبة أولاً –وهم بعض الصحابة– هم الذين قاموا بهذه الكتابة أيضاً، ثانياً وثالثاً، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، تبينا مدى أهمية هذا الركن وضرورته لما شرط له من ضبط وتحقيق لنص وحي مقدس.
وفي الواقع التاريخي نجد أن قراءات القرآن الكريم تتفق وضابط الرسم في جميع المصاحف –كما أثبته فيها الصحابة– ويتحمل جميع وجوهها الصحيحة بلا تعارض، بل يتسع ليشمل كل القراءات، حيث لا نقط ولا شكل، لينضبط المكتوب – كما يتسع – وفق روايته المنقولة، شفاهة بالإسناد، وتلقينا بالتعليم، كما كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فتحقق للقراءات القرآنية كل أصول الضبط وصور التوثيق.

(١) المرجع السابق، ص ٣٩٣ باختصار.
(٢) انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ج١، ص ٢٣٨، دار المعرفة، ١٩٧٢م.


الصفحة التالية
Icon