ومن جهة أخرى فإن اللغة العربية بخصائصها الفريدة نطقاً ورسماً، تعد بمنزلة الوعاء الواسع الصالح – وحده – لتلقي الوحي ونقله محفوظاً بوسائلها الضابطة الواعية له، أكثر من غيرها، وبخاصة حين تتعدد رواياته وقراءاته، وكلها حق صواب يعبر عنه لسان عربي وخط عربي، كل منها مميز بخصائصه الفريدة أيضاً، فلن ينشأ عن أحدهما اختلاف أو تنوع غير مقصود للوحي.
إن اختلاف وجوه القراءات القرآنية لم ينشأ (من مجرد ملابسات فنية ترجع إلى الرسم) كما يقول غولد زيهر في مذاهبه(١)، لأن الرسم لاحق للقراءات وليس سابقاً عليها حتى ينشئها أو يؤثر في نشأتها.
ونتساءل تاريخياً مع د. عبد الفتاح شلبي(٢) رحمه الله إذ يقول ثم يجيب: ((ألم ترو الروايات وتتداول قبل تدوين المصاحف؟ ثم ألم ترهم كيف كانوا يتحرون ويثبتون؟ أولم يكن القرآن محفوظاً في الصدور قبل جمع القرآن؟ بلى! فلم يكن اختلاف القراءات بين قراء الأمصار راجعاً إلى رسم المصحف، فهو يرجع إلى أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل، فاحتملت ما صح نقله، وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط)).
ولهذا أرسل الخليفة عثمان رضي الله عنه مع المصاحف المنتسخة رجالاً يقرئون الناس وفقها إلى كل مصر.
ويبين د. عبد الرحمن المطرودي(٣) دور الضبط لوجوه القراءات بالرسم فيقول:

(١) ص ١١.
(٢) رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم، دوافعها ودفعها، ص ٢٣.
(٣) القراءات القرآنية، ص ١٠٩ باختصار.


الصفحة التالية
Icon