وتدبروا العواقب وطلبوا مَعَاني الدَّلَائِل فطالعوا الغيوب وشاهدوا بقلوبهم الْآخِرَة فصاروا فِي الدُّنْيَا بأبدانهم وَفِي الْآخِرَة بأرواحهم وأجسامهم فِيهَا كعواد وعقولهم معلقَة بالملكوت وَذَلِكَ بِغَيْر ابْتِدَاء مِنْهُم اجتنبوه وَلَا نالوه وَلَكِن بتفضل الله جلّ وَعز عَلَيْهِم وتعبده إيَّاهُم
فأقامنا الله وَإِيَّاك مقامهم وأسلكنا وَإِيَّاك سبيلهم حَتَّى يلحقنا بمنازلهم ويرافق بَيْننَا وَبينهمْ فِي جواره فَإِنَّهُم أَعقل خلق الله جلّ وَعز عَنهُ لما فَهموا من كَلَامه وتدبروا مَعَاني قَوْله وَبِذَلِك أَمنهم وَرَضي عَنْهُم وَأثْنى عَلَيْهِم وَرفع بِهِ قدرهم لأَنهم فَهموا مِنْهُ مَا أخْبرهُم عَنهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي أنزلهُ فِي كِتَابه إِذْ يَقُول جلّ وَعز ﴿يَا أَيهَا النَّاس قد جاءتكم موعظة من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور وَهدى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين﴾
فَلَمَّا عقلوا ذَلِك عَن رَبهم ابْتَغوا مِنْهُ الشِّفَاء وَالْهدى وَالرَّحْمَة فداووا بِهِ قساوة قُلُوبهم وغسلوا بِهِ درن ذنوبهم وَوَضَعُوا دواءه على أدواء قُلُوبهم وَنَفَوْا بِهِ سوء النيات من ضمائرهم وأزالوا بِهِ وحر صُدُورهمْ ونظروا ببصائرهم إِلَى مَا يشبه الشُّبُهَات