ولعلّ الذين تكلموا في بعض القراءات الثابتة كان بسبب أنها لم تصل إليهم، فهذا الإمام أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) كره قراءة حمزة، فلما تبين له تواترها رجع عن كراهيته تلك( [٨٠])، على أن هذه الكراهية يمكن أن تحمل على الكراهية النفسية وليست الشرعية، والكراهية النفسية بمثابة الاختيار، وهو جائز عند العلماء ما لم يؤدّ إلى إسقاط الروايات الأخرى وإنكارها كما سبق بيانه( [٨١]).
وهذا ابن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) ثبت ما يدل أنه لم يكن يقصد باختياراته رد القراءات الصحيحة، حيث قال :" كل ما صح عندنا من القراءات أنه علّمه رسول الله ﷺ لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له ولهم أن يقرؤوا بها القرآن فليس لنا اليوم أن نخطئ من قرأ به إذا كان ذلك موافقا لخط المصحف، فإذا كان مخالفا لخط المصحف لم نقرأ به ووقفنا عنه وعن الكلام فيه ".
٢-…٢- المعوّل عليه في الحكم على نقد القراء ما تضمنته طبقات القراء، ومن أشهرها معرفة القراء الكبار للحافظ الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) وغاية النهاية للحافظ ابن الجزري ( ت ٨٣٣هـ ).
كما يمكن الاعتبار بكتب الطبقات الأخرى، مع التأكد أن ما وصف به أحد القراء فيها من ضبط أو جرح يختص بالقراءات، قال الحافظ الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في ترجمة أبي عمر الدُّوري ( ت ٢٤٦ هـ ) :" وقول الدّار قطني : ضعيف، يريد في ضبط الآثار، أما في القراءات فثبت إمام، وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون الحديث، كنافع والكسائي وحفص، فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرروها، ولم يصنعوا ذلك في الحديث، كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث، ولم يحكموا القراءة، وكذا شأن كل من برّز في فن ولم يعتن بما عداه "( [٨٢]).