القراءات ميراث خالد اختصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم، وعلم القراءات علم جليل، له من الرواية ذروة سنامها، ومن الدراية صافي دررها، وإحكام مبانيها والتبحر في مقاصدها والغوص في معانيها بحر لا ساحل له وغور لا قاع له.
وعلم القراءات ليس له حد ينتهي إليه، فمجالاته عديدة وفروعه متشعبة، وطرق أسانيده لا تكاد تستقصى، ومعاني وجوه القراءات لا تكاد تنقضي، فكلما أنعم الباحث النظر في تصاريفها تجددت معانيها في حلل أبهى.
وتجيء مكانة الحكم على القراءات في أولويات القيم العلمية لهذا النوع من العلوم الشرعية.
قال الحافظ ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) في سياق تعداد فوائد علم القراءات:" ومنها بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم لكتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن لفظةٍٍ لفظةٍ، والكشف عن صِيغةٍ صِيغةٍ، وبيان صوابه، وبيان تصحيحه، وإتقان تجويده حتى حموه من خلل التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا، ولا تفخيما ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدات وتفاوت الإمالات وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يُوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم "( [٢٥]).
وتشتمل الأهمية العلمية للحكم على القراءات على الجوانب العقدية والفقهية.
أما الجانب العقدي :
فإن ما قُطع على صحته يكفر من جحده لأنه من القرآن، وكل قراءة ثبتت على هذا النحو فهي مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، كلاهما حق يجب الإيمان بهما والعمل بهما، وسواء كانتا قراءتين أم أكثر، وأما ما لم يقطع على صحته فإنه لا يكفر من جحده، لأن ذلك من موارد الاجتهاد التي لا يلحق النافي ولا المثبت فيها تكفير ولا فسق، والأولى أن لا يُقدم على الجزم بردّ قرآنيته، وأما ما لم يثبت نقله ألبته أو جاء من غير ثقة فلا يقبل أصلا( [٢٦]).
وأما الجانب الفقهي :