بن عبادة فقالا : يا رسول اللّه، هذا أمر تحبه فنصنعه لك؟ أو شيء أمرك اللّه به فنسمع له ونطيع؟ أو أمر تصنعه لنا؟ فقال :«بل أمر أصنعه لكم، فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة» فقال له سعد بن معاذ : يا رسول اللّه، واللّه قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان، ولا نعبد اللّه ولا نعرفه، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة، إلا شراء أو قرّى. فحين أكرمنا اللّه بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا! واللّه لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم اللّه بيننا وبينهم. فسر بذلك رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وقال :«أنتم وذاك» وقال لعيينة والحارث :«انصرفا، فليس لكما عندنا إلا السيف».. فهذا الذي فكر فيه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إجراء لمواجهة الضرورة.. وليس حكما نهائيا..
وعقد رسول اللّه مع مشركي قريش صلح الحديبية - وهم على شركهم - بشروط لم يسترح إليها المسلمون، وذلك على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض، وأن يرجع عنهم عامه ذلك، حتى إذا كان العام المقبل قدمها وخلوا بينه وبين مكة فأقام بها ثلاثا، وألا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب، وأن من أتى المشركين من أصحاب النبي لم يردوه، ومن أتاه من أصحاب المشركين رده.. وقد رضي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بما ألهمه اللّه - هذه الشروط، التي تبدو في ظاهرها مجحفة، لأمر يريده اللّه ألهم به رسوله.. وفيها متسع - على كل حال - لمواجهة الظروف المشابهة تتصرف من خلاله القيادة المسلمة..
إن المنهج الحركي لهذا الدين يواجه الواقع دائما بوسائل مكافئة، وهو منهج متحرك مرن، ولكنه متين واضح، والذين يلتمسون فيه ما يواجهون به الواقع في كل حالة لن يضطروا إلى ليّ أعناق النصوص وتأويلها تأويلات تأباها! وإنما المطلوب هو تقوى اللّه، والتحرج من تطويع دينه لواقع الشر الجاهلي، والهزيمة به والوقوف به موقف الدفاع، وهو دين مسيطر حاكم، يلبي - وهو في مركز الاستعلاء والمبادأة - كل حاجات الواقع وضروراته والحمد للّه..