الأمد، ويرتدون إلى الجاهلية، التي أخرجهم منها، ويعودون إلى الشرك باللّه مرة أخرى.. إما في الاعتقاد والعبادة، وإما فى الاتباع والحاكمية، وإما فيها جميعا..
هذه طبيعة الدعوة إلى اللّه على مدار التاريخ البشري.. إنها تستهدف «الإسلام».. إسلام العباد لرب العباد وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده بإخراجهم من سلطان العباد وحاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم، إلى سلطان اللّه وحاكميته وشريعته وحده في كل شأن من شؤون الحياة.. وفى هذا جاء الإسلام على يد محمد صلى اللّه عليه وسلم، كما جاء على أيدي الرسل الكرام قبله.. جاء ليرد الناس إلى حاكمية اللّه كشأن الكون كله الذي يحتوي الناس فيجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هى السلطة التي تنظم وجوده فلا يشذوا هم بمنهج وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصرف الكون كله. بل الذي يصرف وجودهم هم أنفسهم في غير الجانب الإرادي من حياتهم. فالناس محكومون بقوانين فطرية من صنع اللّه في نشأتهم ونموهم وصحتهم ومرضهم، وحياتهم وموتهم كما هم محكومون بهذه القوانين في اجتماعهم وعواقب ما يحل بهم نتيجة لحركتهم الاختيارية ذاتها وهم لا يملكون تغيير سنة اللّه بهم فى هذا كله كما أنهم لا يملكون تغيير سنة اللّه فى القوانين الكونية التي تحكم هذا الكون وتصرفه.. ومن ثم ينبغى أن يثوبوا إلى الإسلام فى الجانب الإرادي من حياتهم فيجعلوا شريعة اللّه هى الحاكمة فى كل شأن من شؤون هذه الحياة، تنسيقا بين الجانب الإرادي في حياتهم والجانب الفطري، وتنسيقا بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين الوجود الكوني..
ولكن الجاهلية التي تقوم على حاكمية البشر للبشر، والشذوذ بهذا عن الوجود الكوني والتصادم بين منهج الجانب الإرادي في حياة الإنسان والجانب الفطري.. هذه الجاهلية التي واجهها كل رسول بالدعوة إلى الإسلام للّه وحده. والتي واجهها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بدعوته.. هذه الجاهلية لم تكن متمثلة في «نظرية» مجردة. بل ربما أحيانا لم تكن لها «نظرية» على الإطلاق! إنما كانت متمثلة دائما في تجمع حركي. متمثلة في مجتمع، خاضع لقيادة هذا المجتمع، وخاضع لتصوراته وقيمه ومفاهيمه ومشاعره


الصفحة التالية
Icon