هذه هي القاعدة النظرية التي يتمثل فيها الإسلام ويقوم عليها - وهي تنشئ منهجا كاملا للحياة حين تطبق في شؤون الحياة كلها يواجه به المسلم كل فرع من فروع الحياة الفردية والجماعية، في داخل دار الإسلام وخارجها في علاقاته بالمجتمع المسلم وفي علاقات المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى.. ولكن الإسلام - كما قلنا - لم يكن يملك أن يتمثل في «نظرية» مجردة ليعتنقها من يعتنقها اعتقادا ويزاولها عبادة ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفرادا ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعلا. فإن وجودهم على هذا النحو - مهما كثر عددهم - لا يمكن أن يؤدي إلى «وجود فعلي» للإسلام.
لأن الأفراد «المسلمين نظريا» الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون مضطرين حتما للاستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوية. سيتحركون طوعا أو كرها، بوعي أو بغير وعي لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده وسيدافعون عن كيانه وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه لأن الكائن العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا.. أي أن الأفراد «المسلمين نظريا» سيظلون يقومون «فعلا» بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون «نظريا» لإزالته وسيظلون خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء والامتداد!
وسيعطونه كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا ويقوى، وذلك بدلا من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي، لإقامة المجتمع الإسلامي! ومن ثم لم يكن بد أن تتمثل القاعدة النظرية للإسلام (أي العقيدة) في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى.. لم يكن بد أن ينشأ تجمع عضوي حركي آخر غير التجمع الجاهلي، منفصل ومستقل عن التجمع العضوي الحركي الجاهلي الذي يستهدف الإسلام إلغاءه. وأن يكون محور هذا التجمع الجديد هو القيادة الجديدة المتمثلة في رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ومن بعده في كل قيادة إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية اللّه وحده وربوبيته وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته - وأن يخلع كل من يشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ولاءه من التجمع العضوي الحركي الجاهلي - أي التجمع الذي جاء منه - ومن قيادة ذلك التجمع - في أية صورة كانت، سواء كانت في صورة قيادة دينية


الصفحة التالية
Icon