تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم، ذلك بأنهم كفروا باللّه ورسوله، واللّه لا يهدي القوم الفاسقين».«فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، وقالوا : لا تنفروا في الحر، قل : نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون. فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون. فإن رجعك اللّه إلى طائفة منهم، فاستأذنوك للخروج، فقل : لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا، إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين. ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون. ولا تعجبك أموالهم وأولادهم، إنما يريد اللّه أن يعذبهم بها في الدنيا، وتزهق أنفسهم وهم كافرون»...
إلخ... إلخ وهذه الحملة الطويلة الكاشفة تشي بما كان للمنافقين في هذه الفترة من محاولات كثيرة لإيذاء الصف المسلم وفتنته وشغله بشتى الفتن والدسائس والأكاذيب عن وجهته. كما أنها في الوقت ذاته تكشف عن حالة من الخلخلة وعدم التناسق في التكوين العضوي للمجتمع الإسلامي في هذه الفترة يشير إليها قول اللّه سبحانه :«وفيكم سماعون لهم» كما يشير إليها النهي المشدد عن الاستغفار للمنافقين أو الصلاة عليهم.. هذه الحالة التي نشأت عن دخول جماعات كثيرة في الإسلام بعد الفتح لم يكن الإيمان قد استقر في قلوبهم، ولا كانوا قد انطبعوا بالطابع الإسلامي الصحيح مما سنفصل القول فيه بعد استعراض التصنيف القرآني الوارد في السورة لهذه الجماعات المتنوعة التي كان المجتمع المسلم يتألف منها في هذه الفترة.
والمقطع الخامس في سياق السورة هو الذي يتولى هذا التصنيف. ومنه نعلم أنه كان إلى جوار السابقين المخلصين من المهاجرين والأنصار - وهم الذين كانوا يؤلفون قاعدة المجتمع المسلم الصلبة القوية - جماعات أخرى.. الأعراب وفيهم المخلصون والمنافقون والذين لم تخالط قلوبهم بشاشة الإيمان والمنافقون من أهل المدينة. وآخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولم يتم انطباعهم بالطابع الإسلامي ولم يصهروا في بوتقة الإسلام تماما. وطائفة مجهولة الحال لا تعرف حقيقة مصيرها متروك أمرها للّه وفق ما يعلمه من حقيقة