رجل ورجلين، حتى توافينا. فقلنا : يا رسول اللّه علام نبايعك؟ قال :«تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في اللّه لا تخافوا في اللّه لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة». فقمنا إليه وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو من أصغرهم - وفي رواية البيهقي - وهو أصغر السبعين - إلا أنا. فقال : رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول اللّه، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة، وقتل خياركم، وتعضكم السيوف.
فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على اللّه، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند اللّه.. قالوا : أبط عنا يا أسعد! فو اللّه لا ندع هذه البيعة، ولا نسلبها أبدا! قال : فقمنا إليه، فبايعناه، وأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة» (و قد رواه الإمام أحمد أيضا والبيهقي من طريق داود بن عبد الرحمن العطار - زاد البيهقي عن الحاكم - بسنده إلى يحيى بن سليم كلاهما عن عبد اللّه بن عثمان بن خيثم عن أبي إدريس به نحوه. وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ولم يخرجوه. وقال البزار : وروى غير واحد غير ابن خيثم، ولا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه).
فقد كان الأنصار إذن يعلمون - عن يقين واضح - تكاليف هذه البيعة وكانوا يعلمون أنهم لم يوعدوا على هذه التكاليف شيئا في هذه الحياة الدنيا - حتى ولا النصر والغلبة - وأنهم لم يوعدوا عليها إلا الجنة.. ثم كان هذا مدى وعيهم بها ومدى حرصهم عليها.. فلا جرم أن يكونوا - مع السابقين من المهاجرين الذين بنوا هذا البناء وأعدوا هذا الإعداد - هم القاعدة الصلبة للمجتمع المسلم أول العهد بالمدينة..
ولكن مجتمع المدينة لم يظل بهذا الخلوص والنقاء.. لقد ظهر الإسلام وفشا في المدينة واضطر أفراد كثيرون - ومعظمهم من ذوي المكانة في قومهم - أن يجاروا قومهم احتفاظا بمكانتهم فيهم.. حتى إذا كانت وقعة بدر قال كبير هؤلاء عبد اللّه بن أبيّ بن