وجود أية حركة، لا تسلك طريق الدعوة الأولى من هذه الناحية، ولا تراعي طبيعة المنهج الحركي الرباني النبوي الذي سارت عليه الجماعة الأولى.
على أن اللّه - سبحانه - هو الذي يتكفل بهذا لدعوته. فحيثما أراد لها حركة صحيحة، عرّض طلائعها للمحنة الطويلة وأبطأ عليهم النصر وقللهم وبطأ الناس عنهم حتى يعلم منهم أن قد صبروا وثبتوا، وتهيأوا وصلحوا لأن يكونوا هم القاعدة الصلبة الخالصة الواعية الأمينة.. ثم نقل خطاهم بعد ذلك بيده - سبحانه - واللّه غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والآن نعرض - على وجه الإجمال - للموضوعات الرئيسية التي تضمنتها السورة، وبخاصة الأحكام النهائية التي قررتها في علاقة المعسكر الإسلامي بسائر المعسكرات حوله.. فالأحكام التي وردت في هذه السورة - بوصفها آخر ما نزل من الأحكام - هي التي تمثل قمة الخط الحركي للمنهج الإسلامي..
ونحب هنا أن نعيد ما قلناه في الجزء التاسع - في تقديم سورة الأنفال - عن طبيعة هذا المنهج لنفهم على ضوئه هذه الأحكام النهائية الأخيرة ولو كان في إعادته شيء من التكرار في كتاب الظلال. ذلك أن قرب هذه الفقرات التي سنعيدها هنا ضروري لحيوية السياق :
« لقد لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في «زاد المعاد» في الفصل الذي عقده باسم :«فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي اللّه عز وجل : أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى : أن يقرأ باسم ربه الذي خلق. وذلك أول نبوته. فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ. ثم أنزل عليه :«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» فنبأه بقوله :«اقْرَأْ» وأرسله ب «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ». ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين. ثم أنذر قومه. ثم أنذر من حولهم من العرب. ثم أنذر العرب قاطبة. ثم أنذر العالمين. فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح.


الصفحة التالية
Icon