لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (٨ : ٦١) بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ بِنَسْخِ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَنَبْذِ عُهُودِ الشِّرْكِ " (١)
وظاهر من هذا الاستعراض ومن التعقيب عليه - ومما جاء بعده في تفسير السورة في تفسير المنار - أنه مع لمس السبب الأصيل العميق الكامن وراء هذه السلسلة من نقض العهود، وابتداء أول فرصة لحرب الإسلام وأهله من المشركين وأهل الكتاب، فإن المؤلف لا يتابع هذا السبب إلى جذوره ولا يرى امتداده وشموله ولا يستشرف الحقيقة الكبيرة في طبيعة هذا الدين وطبيعة منهجه الحركي وطبيعة الاختلاف الجذري بين منهج اللّه ومناهج العبيد، التي لا يمكن الالتقاء على شيء منها وبالتالي لا يمكن التعايش الطويل بين المعسكرات القائمة على منهج اللّه وهذه المناهج أصلا! فأما الأستاذ محمد عزة دروزة في تفسيره للسورة في كتابه :«التفسير الحديث» فيبعد جدا عن هذه الحقيقة الكبرى ولا يلمس ذلك السبب الأصيل العميق أصلا. ذلك أنه مشغول - كغيره من الكتاب المحدثين الواقعين تحت ضغط الواقع البائس لذراري المسلمين، وللقوة الظاهرة لمعسكرات المشركين والملحدين وأهل الكتاب في هذا الزمان - بتلمس شهادة لهذا الدين بأنه دين السلم والسلام الذي لا يعنيه إلا أن يعيش داخل حدوده في سلام! فمتى أمكنت المهادنة والمعاهدة فهو حريص عليها، لا يعدل بها هدفا آخر! وهو من ثم لا يرى سببا لهذه النصوص الجديدة الأخيرة في سورة التوبة إلا نقض بعض المشركين لعهودهم مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وأن الذين لم ينقضوا عهودهم - سواء كانت مؤقتة أو مؤبدة - فقد جاءت السورة بالمحافظة عليها.
وأنه حتى إذا انقضت عهودهم فإنه يجوز أن تعقد معهم معاهدات جديدة! وكذلك الناكثون أنفسهم! وأن الآيات المرحلية هي الأصل الذي يقيد عموم الآيات الأخيرة في هذه السورة!!!
وفي ذلك يقول في شرح قوله تعالى :«إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. فَإِذَا