خالقهم ورازقهم وهم يحادون اللّه ورسوله بهذا الجحود ابتداء.. فكيف يجوز أن يكون لهم عهد عند اللّه وعند رسوله؟
هذه هي القضية التي يثيرها هذا السؤال الاستنكاري.. وهي قضية تنصب على مبدأ التعاهد ذاته لا على حالة معينة من حالاته..
وقد يستشكل على هذا بأنه كانت للمشركين عهود فعلا وبعض هذه العهود أمر اللّه بالوفاء بها. وأنه قد وقعت عهود سابقة منذ قيام الدولة المسلمة في المدينة. عهود مع اليهود وعهود مع المشركين. وأنه وقع عهد الحديبية في السنة السادسة للهجرة. وأن النصوص القرآنية في سور سابقة كانت تجيز هذه العهود وإن كانت تجيز نبذها عند خوف الخيانة.. فإذا كان مبدأ التعاهد مع المشركين هو الذي يرد عليه الإنكار هنا، فكيف إذن أبيحت تلك العهود وقامت حتى نزل هذا الاستنكار الأخير لمبدأ التعاهد؟! وهذا الاستشكال لا معنى له في ظل الفهم الصحيح لطبيعة المنهج الحركي الإسلامي الذي أسلفنا الحديث عنه في مطالع هذه السورة وفي مطالع سورة الأنفال قبلها.. لقد كانت تلك المعاهدات مواجهة للواقع في حينه بوسائل مكافئة له أما الحكم النهائي فهو أنه لا ينبغي أن يكون للمشركين عهد عند اللّه وعند رسوله..
كانت أحكاما مرحلية في طريق الحركة الإسلامية التي تستهدف ابتداء ألا يكون في الأرض شرك باللّه وأن تكون الدينونة للّه وحده.. ولقد أعلن الإسلام هدفه هذا منذ أول يوم ولم يخدع عنه أحدا. فإذا كانت الظروف الواقعية تقضي بأن يدع من يسالمونه ابتداء من المشركين ليتفرغ لمن يهاجمونه وأن يوادع من يريدون موادعته في فترة من الفترات. وأن يعاهد من يريدون معاهدته في مرحلة من المراحل. فإنه لا يغفل لحظة عن هدفه النهائي الأخير كما أنه لا يغفل عن أن هذه الموادعات والمعاهدات من جانب بعض المشركين موقوتة من جانبهم هم أنفسهم. وأنهم لا بد مهاجموه ومحاربوه ذات يوم وأنهم لن يتركوه وهم يستيقنون من هدفه ولن يأمنوه على أنفسهم إلا ريثما يستعدون له ويستديرون لمواجهته.. ولقد قال اللّه للمسلمين منذ أول الأمر :«وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا».. وهي قولة الأبد التي لا تتخصص بزمن ولا


الصفحة التالية
Icon