الإسلام لتحرير الإنسان بعبادة اللّه وحده والخروج من عبادة البشر للبشر، أية عقبات مادية من قوة الدولة، ومن نظام الحكم، ومن أوضاع المجتمع على ظهر الأرض! ذلك أن منهج اللّه يريد أن يسيطر، ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده - كما هو الإعلان العام للإسلام - ومناهج الجاهلية تريد - دفاعا عن وجودها - أن تسحق الحركة المنطلقة بمنهج اللّه في الأرض، وأن تقضي عليها.. وطبيعة المنهج الحركي الإسلامي أن يقابل هذا الواقع البشري بحركة مكافئة له ومتفوقة عليه، في مراحل متعددة ذات وسائل متجددة.. والأحكام المرحلية والأحكام النهائية في العلاقات بين المجتمع المسلم والمجتمعات الجاهلية تمثل هذه الوسائل في تلك المراحل.
ومن أجل أن يحدد السياق القرآني في هذا المقطع من السورة طبيعة هذه العلاقات، حدد حقيقة ما عليه أهل الكتاب ونص على انه «شرك» و«كفر» و«باطل» وقدم الوقائع التي يقوم عليها هذا الحكم، سواء من واقع معتقدات أهل الكتاب والتوافق والتضاهي بينها وبين معتقدات «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ». أو من سلوكهم وتصرفهم الواقعي كذلك.
والنصوص الحاضرة تقرر :
أولا : أنهم لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر.
ثانيا : أنهم لا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله.
ثالثا : أنهم لا يدينون دين الحق.
رابعا : أن اليهود منهم قالت : عزير ابن اللّه. وأن النصارى منهم قالت : المسيح ابن اللّه وأنهم في هذين القولين يضاهئون قول الذين كفروا من قبل سواء من الوثنيين الإغريق، أو الوثنيين الرومان، أو الوثنيين الهنود، أو الوثنيين الفراعنة، أو غيرهم من الذين كفروا (و سنفصل فيما بعد أن التثليث عند النصارى، وادعاء البنوة للّه منهم أو من اليهود مقتبس من الوثنيات السابقة وليس من أصل النصرانية ولا اليهودية).
خامسا : أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه. كما اتخذوا المسيح ربا. وأنهم بهذا خالفوا عما أمروا به من توحيد اللّه والدينونة له وحده، وأنهم لهذا «مشركون»!