الحيوية في التصوير والإيقاع والإيحاء بحيث تتماوج المشاعر مع التعبير والتصوير تماوجا عميقا عنيفا، ولا تملك أن تقف جامدة أمام الوصف، والتعقيب. فهو وصف حي، يستحضر المشاهد - كما لو كانت تتحرك - ويشيع حولها النشاط المؤثر والإشعاع النافذ، والإيحاء المثير.
٥ - وحقيقة خامسة كذلك.. عن واقعية المنهج الإلهي.. فمن وسائل هذا المنهج لإنشاء آثاره في عالم الواقع، مزاولته بالفعل، فهو لا يقدم مبادئ نظرية، ولا توجيهات مجردة.. ولكنه يطبق ويزاول نظرياته وتوجيهاته.
وأظهر مثل على واقعية المنهج في هذه الغزوة، هو موقفه إزاء مبدأ الشورى..
لقد كان في استطاعة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة، التي تعرضت لها - وهي بعد ناشئة ومحاطة بالأعداء من كل جانب، والعدو رابض في داخل أسوارها ذاتها - نقول كان في استطاعة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التي تعرضت لها، لو أنه قضى برأيه في خطة المعركة، مستندا إلى رؤياه الصادقة وفيها ما يشير إلى أن المدينة درع حصينة ولم يستشر أصحابه، أو لم يأخذ بالرأي الذي انجلت المشورة عن رجحانه في تقدير الجماعة! أو لو أنه رجع عن الرأي عند ما سنحت له فرصة الرجوع، وقد خرج من بيته، فرأى أصحاب هذا الرأي نادمين أن يكونوا قد استكرهوه على غير ما يريد! ولكنه - وهو يقدر النتائج كلها - أنفذ الشورى. وأنفذ ما استقرت عليه، ذلك كي تجابه الجماعة المسلمة نتائج التبعة الجماعية، وتتعلم كيف تحتمل تبعة الرأي، وتبعة العمل. لأن هذا في تقديره - صلى اللّه عليه وسلم - وفي تقدير المنهج الإسلامي الذي ينفذه، أهم من اتقاء الخسائر الجسيمة، ومن تجنيب الجماعة تلك التجربة المريرة. فتجنيب الجماعة التجربة معناه حرمانها الخبرة، وحرمانها المعرفة، وحرمانها التربية! ثم يجيء الأمر الإلهي له بالشورى - بعد المعركة كذلك - تثبيتا للمبدأ في مواجهة نتائجه المريرة. فيكون هذا أقوى وأعمق في إقراره من ناحية، وفي إيضاح قواعد المنهج من ناحية