نفوس بناته الأشرار وبناة كل مساجد الضرار :«لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»..
لقد انهار الجرف المنهار. انهار ببناء الضرار الذي أقيم عليه. انهار به في نار جهنم وبئس القرار! ولكن ركام البناء بقي في قلوب بناته. بقي فيها «ريبة» وشكا وقلقا وحيرة. وسيبقى كذلك لا يدع تلك القلوب تطمئن أو تثبت أو تستقر. إلا أن تتقطع وتسقط هي الأخرى من الصدور!
وإن صورة البناء المنهار لهي صورة الريبة والقلق وعدم الاستقرار.. تلك صورة مادية وهذه صورة شعورية.. وهما تتقابلان في اللوحة الفنية العجيبة التي يرسمها التعبير القرآني الفريد. وتتقابلان في الواقع البشري المتكرر في كل زمان. فما يزال صاحب الكيد الخادع مزعزع العقيدة، حائر الوجدان، لا يطمئن ولا يستقر، وهو من انكشاف ستره في قلق دائم، وريبة لا طمأنينة معها ولا استقرار.
وهذا هو الإعجاز الذي يرسم الواقع النفسي بريشة الجمال الفني، في مثل هذا التناسق بمثل هذا اليسر في التعبير والتصوير على السواء..
وتبقى وراء ذلك كله حكمة المنهج القرآني في كشف مسجد الضرار وأهله وفي تصنيف المجتمع إلى تلك المستويات الإيمانية الواضحة وفي كشف الطريق للحركة الإسلامية، ورسم طبيعة المجال الذي تتحرك فيه من كل جوانبه..
لقد كان القرآن الكريم يعمل في قيادة المجتمع المسلم، وفي توجيهه، وفي توعيته، وفي إعداده لمهمته الضخمة.. ولن يفهم هذا القرآن إلا وهو يدرس في مجاله الحركي الهائل ولن يفهمه إلا أناس يتحركون به مثل هذه الحركة الضخمة في مثل هذا المجال. (١)
- - - - - - - - - - - - - -