خطوة واحدة عن نهج التوحيد المطلق. الذي لا يتجه بشعور التقديس لغير اللّه وحده ولا يدين بالعبودية إلا اللّه وحده.. الانحراف خطوة واحدة لا بد أن تتبعه مع الزمن خطوات وانحرافات لا يعلم مداها إلا اللّه.
على أية حال لقد كان قوم هود مشركين لا يدينون للّه وحده بالعبودية، فإذا هو يدعوهم تلك الدعوة التي جاء بها كل رسول :
«يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ».. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ»..
مفترون فيما تعبدونه من دون اللّه، وفيما تدعونه من شركاء للّه.
ويبادر هود ليوضح لقومه أنها دعوة خالصة ونصيحة ممحضة، فليس له من ورائها هدف. وما يطلب على النصح والهداية أجرا. إنما أجره على اللّه الذي خلقه فهو به كفيل :
«يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ؟». مما يشعر أن قوله :«لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» كان بناء على اتهام له أو تلميح بأنه يبتغي أجرا أو كسب مال من وراء الدعوة التي يدعوها. وكان التعقيب :«أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» للتعجيب من أمرهم وهم يتصورون أن رسولا من عند اللّه يطلب رزقا من البشر، واللّه الذي أرسله هو الرزاق الذي يقوّت هؤلاء الفقراء! ثم يوجههم إلى الاستغفار والتوبة. ويكرر السياق التعبير ذاته الذي ورد في أول السورة على لسان خاتم الأنبياء، ويعدهم هود ويحذرهم ما وعدهم محمد وحذرهم بعد ذلك بآلاف السنين :«وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ. وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ»..
استغفروا ربكم مما أنتم فيه، وتوبوا إليه فابدأوا طريقا جديدا يحقق النية ويترجمها إلى عمل يصدق النية..
«يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً».. وكانوا في حاجة إلى المطر يسقون به زروعهم ودوابهم في الصحراء، ويحتفظون به بالخصب الناشئ من هطول الأمطار في تلك البقاع.
«وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ».. هذه القوة التي عرفتم بها..
«وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ».. مرتكبين لجريمة التولي والتكذيب.