كلها.. وهذه نقطة هامة لا بد من تقريرها مرة أخرى! إن هذا الدين ليس إعلانا لتحرير الإنسان العربي! وليس رسالة خاصة بالعرب!..
إن موضوعه هو «الإنسان».. نوع «الإنسان».. ومجاله هو «الأرض».. كل الأرض. إن اللّه - سبحانه - ليس ربا للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم.. إن اللّه هو «رب العالمين».. وهذا الدين يريد أن يرد «العالمين» إلى ربهم وأن ينتزعهم من العبودية لغيره. والعبودية الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر.. وهذه هي «العبادة» التي يقرر أنها لا تكون إلا للّه. وأن من يتوجه بها لغير اللّه يخرج من دين اللّه مهما ادعى أنه في هذا الدين. ولقد نص رسول اللّه - ﷺ - على أن «الاتباع» في الشريعة والحكم هو «العبادة» التي صار بها اليهود والنصارى «مشركين» مخالفين لما أمروا به من «عبادة» اللّه وحده..
أخرج الترمذي ٍ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - ﷺ - وَفِى عُنُقِى صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ « يَا عَدِىُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ « أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ » (١)....
وعَنْ حُذَيْفَةَ، فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ﴾ [التوبة: ٣١]، قَالَ: " أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي الْمَعَاصِي " (٢).
وعن حبيب بن أبي ثابت، قال : حدثني أبو البختري الطائي، قال : قال لي حذيفة :« أرأيت قول الله عز وجل ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)﴾ [التوبة : ٣١] فقال حذيفة :« أما إنهم لم يصلوا لهم، ولكنهم كانوا ما أحلوا لهم من حرام

(١) - سنن الترمذى- المكنز - (٣٣٧٨ ) وشعب الإيمان - (١٢ / ٢٢) (٨٩٤٨) حسن لغيره
(٢) - شعب الإيمان - (١٢ / ٢٢) (٨٩٤٨) ومصنف ابن أبي شيبة - (١٣ / ٤٢٢)(٣٦٠٨٤) والتفسير من سنن سعيد بن منصور - (٣ / ٣١٣) (٩٥٩ ) صحيح


الصفحة التالية
Icon