اللّه سبحانه في هذا الشأن وقول رسوله - ﷺ - ويتابع وقائع الجهاد الإسلامي ثم يظنه شأنا عارضا مقيدا بملابسات تذهب وتجيء ويقف عند حدود الدفاع لتأمين الحدود؟! لقد بين اللّه للمؤمنين في أول ما نزل من الآيات التي أذن لهم فيها بالقتال أن الشأن الدائم الأصيل في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن يدفع الناس بعضهم ببعض، لدفع الفساد عن الأرض :«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً».. وإذن فهو الشأن الدائم لا الحالة العارضة. الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض. وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية اللّه للعالمين، وتحرير الإنسان من العبودية للعباد، رماه المغتصبون لسلطان اللّه في الأرض ولم يسالموه قط وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن «الإنسان» في «الأرض» ذلك السلطان الغاصب.. حال دائمة لا يكف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله للّه.
إن الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة. كذلك كان الأمر أول العهد بالهجرة.
والذي بعث الجماعة المسلمة في المدينة بعد الفترة الأولى للانطلاق لم يكن مجرد تأمين المدينة.. هذا هدف أولي لا بد منه.. ولكنه ليس الهدف الأخير.. إنه هدف يضمن وسيلة الانطلاق ويؤمن قاعدة الانطلاق..
الانطلاق لتحرير «الإنسان»، ولإزالة العقبات التي تمنع «الإنسان» ذاته من الانطلاق! وكف أيدي المسلمين في مكة عن الجهاد بالسيف مفهوم. لأنه كان مكفولا للدعوة في مكة حرية البلاغ..
كان صاحبها - ﷺ - يملك بحماية سيوف بني هاشم، أن يصدع بالدعوة ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب ويواجه بها الأفراد.. لم تكن هناك سلطة سياسية منظمة تمنعه من إبلاغ الدعوة، أو تمنع الأفراد من سماعه! فلا ضرورة - في هذه المرحلة - لاستخدام القوة. وذلك إلى أسباب أخرى لعلها كانت قائمة في هذه المرحلة. وقد لخصناها عند


الصفحة التالية
Icon