يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ! اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ».. (التوبة : ٢٩ - ٣٢).
إنها مبررات تقرير ألوهية اللّه في الأرض وتحقيق منهجه في حياة الناس. ومطاردة الشياطين ومناهج الشياطين وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس، والناس عبيد اللّه وحده، لا يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان من عند نفسه وبشريعة من هواه ورأيه! وهذا يكفي.. مع تقرير مبدأ :«لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ»..
أي لا إكراه على اعتناق العقيدة، بعد الخروج من سلطان العبيد والإقرار بمبدأ أن السلطان كله للّه. أو أن الدين كله للّه. بهذا الاعتبار.
إنها مبررات التحرير العام للإنسان في الأرض. بإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية للّه وحده بلا شريك.. وهذه وحدها تكفي.. ولقد كانت هذه المبررات ماثلة في نفوس الغزاة من المسلمين فلم يسأل أحد منهم عما أخرجه للجهاد فيقول : خرجنا ندافع عن وطننا المهدد! أو خرجنا نصد عدوان الفرس أو الروم علينا نحن المسلمين! أو خرجنا نوسع رقعتنا ونستكثر من الغنيمة! لقد كانوا يقولون كما قال ربعي بن عامر، وحذيفة بن محصن، والمغيرة بن شعبة، جميعا لرستم قائد جيش الفرس في القادسية، وهو يسألهم واحدا بعد واحد في ثلاثة أيام متوالية، قبل المعركة : ما الذي جاء بكم؟ فيكون الجواب : اللّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه. ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر». (١)
إن هناك مبررا ذاتيا في طبيعة هذا الدين ذاته وفي إعلانه العام، وفي منهجه الواقعي لمقابلة الواقع البشري بوسائل مكافئة لكل جوانبه، في مراحل محددة، بوسائل متجددة.. وهذا

(١) - البداية والنهاية لابن كثير محقق - موافق للمطبوع - (٧ / ٤٦)


الصفحة التالية
Icon