الإسلام ليحطمها بالقوة. كي يخلو له وجه الأفراد من الناس، يخاطب ضمائرهم وأفكارهم، بعد أن يحررها من الأغلال المادية ويترك لها بعد ذلك حرية الاختيار..
يجب ألا تخدعنا أو تفزعنا حملات المستشرقين على مبدأ «الجهاد»، وألا يثقل على عاتقنا ضغط الواقع وثقله في ميزان القوى العالمية، فنروح نبحث للجهاد الإسلامي عن مبررات أدبية خارجة عن طبيعة هذا الدين، في ملابسات دفاعية وقتية، كان الجهاد سينطلق في طريقه سواء وجدت هذه الملابسات أم لم توجد! ويجب ونحن نستعرض الواقع التاريخي ألا نغفل عن الاعتبارات الذاتية في طبيعة هذا الدين وإعلانه العام ومنهجه الواقعي.. وألا نخلط بينها وبين المقتضيات الدفاعية الوقتية..
حقا إنه لم يكن بد لهذا الدين أن يدافع المهاجمين له. لأن مجرد وجوده، في صورة إعلان عام لربوبية اللّه للعالمين، وتحرير الإنسان من العبودية لغير اللّه، وتمثل هذا الوجود في تجمع تنظيمي حركي تحت قيادة جديدة غير قيادات الجاهلية، وميلاد مجتمع مستقل متميز لا يعترف لأحد من البشر بالحاكمية، لأن الحاكمية فيه للّه وحده.. إن مجرد وجود هذا الدين في هذه الصورة لا بد أن يدفع المجتمعات الجاهلية من حوله، القائمة على قاعدة العبودية للعباد، أن تحاول سحقه، دفاعا عن وجودها ذاته. ولا بد أن يتحرك المجتمع الجديد للدفاع عن نفسه..
هذه ملابسة لا بد منها. تولد مع ميلاد الإسلام ذاته. وهذه معركة مفروضة على الإسلام فرضا، ولا خيار له في خوضها. وهذا صراع طبيعي بين وجودين لا يمكن التعايش بينهما طويلا.. هذا كله حق.. ووفق هذه النظرة يكون لا بد للإسلام أن يدافع عن وجوده. ولا بد أن يخوض معركة دفاعية مفروضة عليه فرضا..
ولكن هناك حقيقة أخرى أشد أصالة من هذه الحقيقة.. إن من طبيعة الوجود الإسلامي ذاته أن يتحرك إلى الأمام ابتداء لإنقاذ «الإنسان» في «الأرض» من العبودية لغير اللّه. ولا يمكن أن يقف عند حدود جغرافية ولا أن ينزوي داخل حدود عنصرية تاركا «الإنسان».. نوع الإنسان.. في «الأرض».. كل الأرض.. للشر والفساد والعبودية لغير اللّه.