وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية، سواء سماها باسمها أم لم يسمها!
والإسلام ليس مجرد عقيدة. حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان. إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس. والتجمعات الأخرى لا تمكنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو.
ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرر العام. وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله للّه. فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته، كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقوم على عبودية العباد للعباد!
إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر، وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة. لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة. والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيدا أن هذه ليست هي الحقيقة. ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة.. ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام، بنفي هذا الاتهام! فيلجأون إلى تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في «تحرير الإنسان» ابتداء.
وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة «الدين».. وأنه مجرد «عقيدة» في الضمير لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة.. ومن ثم يكون الجهاد للدين، جهادا لفرض العقيدة على الضمير! ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام. فالإسلام منهج اللّه للحياة البشرية. وهو منهج يقوم على إفراد اللّه وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام. أما العقيدة فأمرها موكول إلى حرية الاقتناع، في ظل النظام العام، بعد رفع جميع المؤثرات.. ومن ثم يختلف الأمر من أساسه، وتصبح له صورة جديدة كاملة.