إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان من العبودية لغير اللّه
لم تكن غزوة بدر الكبرى هي أولى حركات الجهاد الإسلامي - كما بينا من قبل - فقد سبقتها عدة سرايا، لم يقع قتال إلا في واحدة منها، هي سرية عبد اللّه بن جحش في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة.. وكانت كلها تمشيا مع القاعدة التي يقوم عليها الجهاد في الإسلام.
والتي أسلفت الحديث عنها من قبل.. نعم إنها كلها كانت موجهة إلى قريش التي أخرجت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وللمسلمين الكرام ولم تحفظ حرمة البيت الحرام المحرمة في الجاهلية وفي الإسلام! ولكن هذا ليس الأصل في انطلاقة الجهاد الإسلامي. إنما الأصل هو إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان من العبودية لغير اللّه وبتقرير ألوهية اللّه في الأرض وتحطيم الطواغيت التي تعبد الناس، وإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية للّه وحده.. وقريش كانت هي الطاغوت المباشر الذي يحول بين الناس في الجزيرة وبين التوجه إلى عبادة اللّه وحده والدخول في سلطانه وحده. فلم يكن بد أن يناجز الإسلام هذا الطاغوت، تمشيا مع خطته العامة وانتصافا في الوقت ذاته من الظلم والطغيان اللذين وقعا بالفعل على المسلمين الكرام ووقاية كذلك لدار الإسلام في المدينة من الغزو والعدوان.. وإن كان ينبغي دائما ونحن نقرر هذه الأسباب المحلية القريبة أن نتذكر - ولا ننسى - طبيعة هذا الدين نفسه وخطته التي تحتمها طبيعته هذه. وهي ألا يترك في الأرض طاغوتا يغتصب سلطان اللّه ويعبد الناس لغير ألوهيته وشرعه بحال من الأحوال! أما أحداث هذه الغزوة الكبرى فنجملها هنا قبل استعراض سورة الأنفال التي نزلت فيها، ذلك لنتنسم الجو الذي نزلت فيه السورة وندرك مرامي النصوص فيها وواقعيتها في مواجهة الأحداث من ناحية وتوجيهها للأحداث من الناحية الأخرى.. ذلك أن النصوص القرآنية لا تدرك حق إدراكها بالتعامل مع مدلولاتها البيانية واللغوية فحسب!! إنما تدرك أولا وقبل كل شيء بالحياة في جوها التاريخي الحركي وفي واقعيتها الإيجابية وتعاملها مع الواقع الحي. وهي - وإن كانت أبعد مدى وأبقى أثرا من الواقع