وَمن الدّلَالَة على كَرَاهَة ذَلِك وَالْمَنْع مِنْهُ سوى مَا قدمْنَاهُ من الْأَخْبَار عَن ابْن مَسْعُود وَالْحسن وَغَيرهمَا مَا حدّثنَاهُ خلف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا هشيم عَن ابي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس انه قَرَأَ ﴿عباد الرَّحْمَن﴾ قَالَ سعيد فَقلت لِابْنِ عَبَّاس إِن فِي مصحفي عِنْد الرَّحْمَن فَقَالَ امحها واكتبها عباد الرَّحْمَن أَلا ترى ابْن عَبَّاس رَحمَه الله قد آمُر سعيد بن جُبَير بمحو إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْن وَإِثْبَات الثَّانِيَة مَعَ علمه بِصِحَّة الْقِرَاءَتَيْن فِي ذَلِك وأنهما منزلتان من عِنْد الله تَعَالَى وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ بهما جَمِيعًا وأقرأ بهما أَصْحَابه غير أَن الَّتِي أمره بإثباتها مِنْهُمَا كَانَت اخْتِيَاره إِمَّا لِكَثْرَة القارئين بهَا من الصَّحَابَة وَإِمَّا لشَيْء صَحَّ عِنْده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أَمر شَاهده من عَلَيْهِ الصَّحَابَة
فَلَو كَانَ جمع الْقرَاءَات وَإِثْبَات الرِّوَايَات وَالْوُجُوه واللغات فِي مصحف وَاحِد جَائِزا لامر ابْن عَبَّاس سعيدا بإثباتهما مَعًا فِي مصحفه بِنُقْطَة يَجْعَلهَا فَوق الْحَرْف الَّذِي بعد الْعين وضمه امام الدَّال دون ألف مرسومة بَينهمَا إِذْ قد تسْقط من الرَّسْم فِي نَحْو ذَلِك كثيرا لخفتها وتترك النقطة الَّتِي فَوق ذَلِك الْحَرْف والفتحة الَّتِي على الدَّال فتجتمع بذلك القراءتان فِي الْكَلِمَة الْمُتَقَدّمَة وَلم يَأْمُرهُ بتغيير إِحْدَاهمَا ومحوها وَإِثْبَات الثَّانِيَة خَاصَّة فَبَان بذلك صِحَة مَا قُلْنَاهُ وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْعلمَاء من كَرَاهَة ذَلِك لأجل التَّخْلِيط على القارئين والتغيير للمرسوم
على أَن أَبَا الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي قد أَشَارَ الى إِجَارَة ذَلِك فَقَالَ فِي كِتَابه فِي النقط وَإِذا نقطت مَا يقْرَأ على وَجْهَيْن فَأكْثر فارسم فِي رقْعَة غير ملصقة