والمراد هنا أن على حامل القرآن أن يسعى جاهدًا في مواصلة تدبر كتاب الله تعالى وفهم معانيه التي لأجلها أنزل، وقد جاء في آيات متعددة الحض على تدبر القرآن وتوبيخ من لم يتدبره، ولا بد أن يُعلم في هذا المقام أن الإعراض عن تفهم معاني كتاب الله العظيم؛ سبيل إلى الاستغناء عنه، وهذا مؤدي ولا شك الاعتياظ عنها بأفكار البشر وآرائهم، ولعلّ هذا من الدواهي العظيمة التي أصيب بها المسلمون اليوم، وكانت من أسباب ضعفهم وانحطاطهم وهوانهم على الناس(١)، ولأجل ذلك كان من الضروري للغاية أن يُعني متعلم القرآن والحافظ له بتفهم معانيه ومراميه، وأن يكون هذا نهجًا تسير عليه الجمعيات الخيرية والحكومية التي تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم؛ إذ نحن اليوم أحوج ما نكون إلى فهم الشباب لدينهم على صورته الصحيحة السليمة من الغلو والإفراط، وكذا الجفاء والتفريط، ولا يكون ذلك إلا بالفهم لما أنزله الله جل وعلا هاديًا للبشرية وهو القرآن الكريم مدار حديثنا هنا.
ثانياً: العمل بالقرآن الكريم، وتطبيقه في واقع الحياة، بحيث يتخلق حافظ القرآن بالقرآن فيما يأتي وما يذر، وقدوته في ذلك خير البشرية وأزكاها رسولنا محمد بن عبدالله -عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم- الذي كان خلقه القرآن، كما أوضحت ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها وأرضاهما- إذ قالت لما سُئلت عن خلقه - ﷺ - :(( كان خلقه القرآن )) (٢).

(١) …أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي: (٧/٣٢، ٥٨٢-٥٨٣) (ط د، ١٤٠٨هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة).
(٢) …المسند، أحمد بن حنبل: (٦/١٦٣) ح(٢٥٣٤١) (ط د، ت د، مؤسسة قرطبة، القاهرة).


الصفحة التالية
Icon