ولعل من تلك البركة، التي جعلها الله جل وعلا لكتابه القرآن الكريم؛ ما يكون في حامل القرآن؛ الحافظ لآياته، الواعي لمعانيها، والمدرك لمضامينها، والعامل بمقتضاها، فإنه ولا شك يكون مباركًا ببركة هذا القرآن، مسددًا بتسديده، ومؤيدًا بآياته وسوره، وهو في الناس مقبول محبوب ومثله كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - أنه قال:

(( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجة طعمها طيب وريحها طيب الحديث )) (١)، وهذا القول منه - ﷺ - فيه إشارة ظاهرة إلى طيب الباطن والظاهر(٢).
وحفظة كتاب الله تبارك وتعالى هم في الأمة كالروح في الجسد، فهم يحملون في صدورهم كلام الله، يحفظون آياته، ويدركون معانيها ويعلمونها بمقتضاها، ويلمونها للناس جميعًا، حفظهم لكلام الله جعلهم الأقرب إليه تعالى؛ إذا ما حققوا شروط ذلك، ولعل من أعظم ذلك: قيامهم بدورهم الفاعل المنوط بهم في مجتمعاتهم، ذلك أن المرء لا يعيش بمفرده، وهو في ظل الاجتماع مع غيره لا شك تجب عليه أمور لا بد من قيامه بها، في تفاعل إيجابي مع مجتمعه، وحملة كتاب الله تبارك وتعالى عليهم واجب عظيم في إبلاغ كلام الله للناس، وتعليمهم آياته؛ تدريسًا لهم في قراءته وتلاوته، وشرحًا لمعانيه ومضامينه، ومساعدة لأبناء المجتمع في الالتزام بما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى؛ من خلال الاستجابة لأوامر الله فعلاً، ولما نهى الله عنه تركًا، إلى غير ذلك مما يجب على هذه الصفوة من أبناء المجتمع التي يفترض أن تكون أنفع الناس للناس ببركة هذا القرآن الكريم.
المبحث الأول:
(١) …السنن الكبرى، أحمد بن شعيب النسائي: (٦/٢٥٣) (ط١، ١٤٢١هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت).
(٢) …من كنوز السنة دراسة أدبية لغوية، محمد علي الصابوني: ص(٦٩) (ط٣، ١٤٠٩هـ، دار القلم، دمشق).


الصفحة التالية
Icon