بِهِ وَكَيف تصور مِنْهُم ان يدينوا بِهِ ويتواطأوا على كِتْمَانه حَتَّى لَا ينْقل عَن أحد مِنْهُم مَعَ كثرتهم وتفرقهم فِي الْبلدَانِ فَإِن تصور ذَلِك مِنْهُم فَمن الَّذِي نَقله إِلَى التَّابِعين حَتَّى اعتقدوه فَكل هَذَا من المستحيل الَّذِي يقطع كل ذِي لب بفساده وَيعلم يَقِينا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واصحابه وتابعيهم مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْقُرْآن اعتقادا سوى اعْتِقَاد الْمُسلمين وانه هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي هُوَ سور وآيات وَهَذَا أَمر لَا يخفى على غير من أضلّهُ الله وَإِن تصور فِي عُقُولهمْ أَن الْحق خَفِي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ وعَلى الْأَئِمَّة الَّذين مهدوا الدّين واقتدزا بسلفهم وَاقْتَدوا بهم من بعدهمْ وغطي عَنْهُم الصَّوَاب وَلم يتَبَيَّن لَهُم الصَّحِيح إِلَى أَن جَاءَ الْأَشْعَرِيّ فبينه وأوضح مَا خَفِي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته وكشفه فَهَذِهِ عقول سخيفة وآراء ضَعِيفَة إِذْ يتَصَوَّر فِيهَا أَن يضيع الْحق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويجده الْأَشْعَرِيّ ويغفل عَنهُ كل الْأمة وينتبه لَهُ دونهم وَإِن سَاغَ لَهُم هَذَا سَاغَ لسَائِر الْكفَّار نسبتهم لنبينا عَلَيْهِ السَّلَام وامته إِلَى أَنهم ضَاعُوا عَن الصَّوَاب وأضلوا عَن الطَّرِيق وَيَنْبَغِي ان تكون شريعتهم غير شَرِيعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدينهمْ غير دين الْإِسْلَام لِأَن دين الْإِسْلَام هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا إِنَّمَا جَاءَ بِهِ الْأَشْعَرِيّ وَإِن رَضوا هَذَا واعترفوا بِهِ خَرجُوا عَن الْإِسْلَام بِالْكُلِّيَّةِ فَإِن قَالُوا فَكيف قُلْتُمْ إِن الْقُرْآن حُرُوف وَلم يرد فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا عَن أحد من الْأَئِمَّة قُلْنَا قد ثَبت ان الْقُرْآن هُوَ هَذِه السُّور والآيات وَلَا خلاف بَين الْعُقَلَاء كلهم مسلمهم وكافرهم فِي أَنَّهَا حُرُوف وَلَا يخْتَلف عاقلان فِي أَن ﴿الْحَمد﴾ خَمْسَة أحرف وَاتفقَ الْمُسلمُونَ كلهم فِي أَن سُورَة الْفَاتِحَة سبع آيَات وَاخْتلفُوا فِي أَن ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ هَل هِيَ آيَة مِنْهَا أم لَا وَاتَّفَقُوا كلهم على أَنَّهَا كَلِمَات وحروف وَقد افْتتح الله تَعَالَى كثيرا من سور الْقُرْآن بالحروف الْمُقطعَة مثل ﴿الم﴾ و ﴿الر﴾