وقال بعضهم : الكتابة منزلة شريفة، في البيان لطيفة(١)، لا سيما إن كان صاحبها ذا لسان، وخط حسن وبنان، فتجتمع فيه حكمتان، وتحصل له فصاحتان، حكمة في يده وفي لسانه(٢)وفي بنانه.
وقد وُجد عمود من رخام نقش عليه ذو القرنين(٣)هذه الأبيات :
يَلُومُ الَّلاَئِمُونَ مِنَ الْجَهْلِ جَهْلاً وَدَاءُ الْجَهْلِ يَبْرَأُ بِالدَّوَاءِ
وَعِلْمُ الْعَالِمِ النَّحْرِيرِ جَهْلٌ إَذَا مَا خَاضَ فِي بَحْرِ الْهَوَاءِ
إِذَا كَانَ الإِمَامُ يَحِيفُ جَوْراً وَقَاضِي الأَرْضِ يُدْهِنُ فِي الْقَضَاءِ
فَوِيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِقَاضِي الأَرْضِ مِنْ قَاضِي السَّمَاءِ
وغير هذا من كلام الحكماء والبلغاء كثير لا يحصيه لسان، ولا يسعه ديوان، لولا الكتابة لما سُمع، ولما به انتُفع.
وأما حكم الإجارة على الكتابة، ففيه ثلاثة أقوال، ثالثها : الكراهة، كالأقوال الثلاثة التي في بيع كتب الفقه : الجواز والمنع والكراهة.
وأما فائدتها، فهي أربعة أشياء(٤):
إثبات الحفظ، وتقريب الفهم، وإذهاب النسيان، وتوصيل العلم.
وأما الذي بدأ بالكتابة أولا، ففيه قولان :
قيل : آدم، وقيل : نبي ا لله إدريس(٥).

(١) في جـ، ز :" وحكمة في البيان لطيفة "، لعلها سقطت سهوا من الأصل.
(٢) في ز :" وفصاحة في لسانه وفي بنانه ".
(٣) اختُلف في اسمه، قيل : كان اسمه عبد الله بن الضحّاك بن مد، وقيل : مصعب بن عبد الله بن قنان بن
منصور بن عبد الله. انظر : البداية والنهاية، ٢ : ١٠٤، ١٠٥، تفسير ابن كثير، ٣ : ١٠١ – ١٠٥.
(٤) في ز :" وأما فائدة الكتابة........".
(٥) وهو نبي الله إدريس - عليه السلام - أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وسمي بهذا الاسم لكثرة ما يدرس في كتب الله
تعالى. انظر البداية والنهاية، ١ : ٩٩.


الصفحة التالية
Icon