فلم يعبأ القوم بما قالته لهم، حتى أصبح عليهم عدوهم فقتلوهم، وأفنوهم وسبّوا ذراريهم، فلما فرغوا، دعا الملك باليمامة بنت مرة، فنزعت عيناها، ووجدوا في عيونها عروقا سوداء بعد أن سألها(١)الملك عن ذلك، فقالت : إني أكتحل بحجر أسود يقال له الأثمد(٢)، فإني أكتحل به فيبقى في عيني. وهي أول من اكتحل بالأثمد، فاتخذه الناس من ذلك الوقت إلى الآن.
وإلى هذه المرأة أشار النابغة في شعره، فقال(٣):
احْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ إِلَى حَمَامٍ شِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ(٤)
يَحُفُّهُ جَانِبًا نِيقٍ وَتُتْبِعُهُ مِثْلَ الزُّجَاجَةِ لَمْ تُكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ
قَالَتْ: أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ
فَحَسَبُوهُ فَأَلْفَوْهُ كَمَا حَسَبَتْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ
فَكَمَلَتْ مِائَةً فِيهَا حَمَامَتُهَا وَأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ
(٢) الأثمد : هو حجر للكحل. انظر القاموس المحيط، ص ٢٤٥، " ثمد ".
(٣) هذه الأبيات من بحر البسيط، وقد قالها ضمن قصيدة طويلة يمدح فيها النعمان، ويعتذر إليه.
انظر : ديوان النابغة، ص ٣٥.
(٤) الثمد : هو الماء القليل الذي لا مادة له، وقيل هو الذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. والنيق هو الجبل
انظر : لسان العرب لابن منظور، ٣ : ١٠٥، " ثمد "، القاموس المحيط، ص ٨٣٤، " نيق ".