وقيل : المدح أعم من الحمد ؛ لأن المدح يكون بأوصاف موجودة وبأوصاف معدومة، بخلاف الحمد فإنه لا يكون إلا بأوصاف موجودة، دليل هذا قوله - عليه السلام - :((احثوا التراب في وجوه المداحين ))(١)، أي خيبوهم من العطاء، لأنهم إلى الكذب أقرب، ولم يروَ عنه قط أنه حثّ التراب في وجوه من مدحه، لأن أوصافه متحققة موجودة، بخلاف غيره فإن أوصافه متوهّمة معدومة.
وهاهنا ثلاثة ألفاظ : الحمد والمدح والمدهُ(٢)، فلا خلاف أن المده بالهاء مبدلة من الحاء، وإنما الخلاف فيما بينهما وبين الحمد وقد تقدّم القولان.
وأما الفرق بينه وبين الثناء، ففيه ثلاثة أقوال :
قيل : هما مترادفان، وهما ظاهر كلام الشيخ أبي محمد في الجنائز(٣)في قوله :" يثني على الله – تبارك وتعالى – "، يعني بالثناء : الحمد لله الذي أمات وأحيا، الذي تقدّم أول الباب.
وقيل : الحمد أعم من الثناء، لأن الحمد يطلق على المكرّر وعلى غير المكرّر، بخلاف الثناء فإنه لا يطلق إلا على المكرّر ؛ لأنه مأخوذ من الثناء بالقصر، وهو العطف، لأنك تقول : ثنيت الشيء أثنيته ثنيا إذا عطفت بعضه على بعض، ذلك معنى التكرار.
وقيل : الثناء أعم من الحمد ؛ لأن الثناء يكون بخير ويكون بشر، بخلاف الحمد فإنه لا يكون إلا بخير.

(١) أخرجه مسلم في صحيحه، باب النهي عن المدح، ٤ : ٢٢٩٧، حديث ٣٠٠٢، ونصه :" عن مجاهد
عن أبي معمر، قال : قام رجل يثني على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثي عليه التراب، وقال : ثم
أمرنا رسول الله - ﷺ - أن نحث في وجوه المداحين التراب ".
واخرجه ابن ماجه بلفظ مسلم في باب المدح، ٢ : ١٢٣٢، حديث ٣٧٤٢.
(٢) انظر لسان العرب، مادة " مده "، ١٣ : ٥٤٠.
وفي ز :" فلا خلاف أن المده بالهاء معناه المدح، لأن الهاء مبدلة من الحاء...... ".
(٣) انظر الثمر الداني، ص ١٧٣.


الصفحة التالية
Icon