والمعنى الثاني : الإنعام والإفضال، ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾(١)، أي تفضلنا وأنعمنا عليهما بالنبوءة والرسالة، وقوله تعالى :﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾(٢)، أي أنعم عليهم وتفضل عليهم.
والمعنى الثالث : تعداد النعمة على المنعم عليه، وهو أمر مذموم وفاعله من الثواب محروم، ومنه قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ﴾(٣).
فالمنّ معناه : تعداد النعمة على المنعَم عليه، نحو أن يقول المنعِم للمنعَم عليه : ألم أحسن إليك ؟ ألم أطعمك ؟ ألم أنفق عليك؟ أو يقول : ألم أنفق على فلان ؟ أو ألم أفعل معه خيرا؟، وما في معنى هذا. وهذا معنى المنّ في هذه الآية.
ومعنى الأذى : قيل : أن يزجره، وقيل : أن يذكر إحسانه لمن لا يريد المنعم عليه أن يعلمه. والمن والأذى من مبطلات الصدقات وكلاهما مذمومان ؛ لأن ذلك يبطل على المنعم فعله، ويكدر على المنعم عليه حاله.
أنشد أبو حنيفة(٤) - رضي الله عنه - في هذا :
عَطَاءُ ذِي الْعَرْش ِخَيْرٌ مِنْ عَطَائِكُمُ وَسَيْبُهُ وَاسِعٌ يُرْجَى وَيُنْتَظَرُ

(١) سورة الصافات، من الآية ١١٤.
(٢) سورة آل عمران، من الآية ١٦٤.
(٣) سورة البقرة، من الآية ٢٦٣.
(٤) هو النعمان بن ثابت التميمي بالولاء، أصله من بلاد فارس، ولد سنة ٨٠ هـ، إمام الحنفية، الفقيه المحقق،
أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، انتشر مذهبه بالكوفة والشام والعراق، من كتبه : كتاب الفقه الأكبر،
كتاب الرد على القدرية. توفي سنة ١٥٠ هـ.
انظر : الفهرست، الفن الثاني من المقالة السادسة، ص ٢٨١، البداية والنهاية، ١٠ : ١٠٧، غاية النهاية،
٢ : ٣٤٢، رقم ٣٧٤٥.


الصفحة التالية
Icon