بَيْدَ أنَّ سيبويه لم يستشكل بقاءها على الترجِّي، وعلل ذلك بقوله(١): «العباد إنما كُلِّموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يَعْنُون، فالعِلْمُ قد أتى من وراء ما يكون، ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم، وليس لهما أكثرُ من ذا ما لم يعلما». وعلى هذا يكون معنى الترجي مُنسحباً على المُرْسَل، وهو هنا موسى وهارون.
وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين من بعده. قال الزجاج(٢): «والله عزّ وجل خاطب العباد بما يعقلون، وقد علم عزّ وجل أنه لا يتذكَّر ولا يخشى، إلا أن الحجَّة إنما تجبُ عليه بالإبانة وإقامتها عليه». وذهب الراغب(٣) إلى ما ذهب إليه سيبويه، وقال: «وقولُه في فرعون ؟ ھ ھ ے ے؟ إطماعٌ لموسى عليه السلام مع هارون، ومعناه: فقولا له قولاً ليناً راجيَيْن أن يتذكر أو يَخْشى». وأشار الشوكاني(٤) إلى هذا المعنى فقال: «أي: باشِرا ذلك مباشرةَ مَنْ يرجو ويطمع فالرجاء راجع إليهما».
أما الإمام الطبري فلم يذكر هذا التوجيه لمعنى «لعلَّ»، ويبدو أنه لم يعتمده، وإنما استحسن وصحَّح المعنيين الآخرين في تفسير لعل(٥) وهما:
الأول: أنَّ معناها ها هنا الاستفهام، قال(٦): «كأنهم وَجَّهوا معنى الكلام إلى: ؟ہ ہ ھ ھ؟ فانظرا: هل يتذكر فيُراجِعَ، أو يَخْشى اللهَ فيرتدعَ عن طغيانه ؟ ثم أوردَ روايةً مأثورة عن ابن عباس - رضي الله عنه - تؤيد ذلك، وعزا ذلك ابن أبي حاتم إلى ابن عباس(٧). وعزاه السيوطي في «الدر المنثور»(٨) إلى ابن
المنذر.
(٢) معاني القرآن ٣/٣٥٧.
(٣) المفردات ٧٤١.
(٤) فتح القدير ٣/٣٦٦.
(٥) جامع البيان ١٦/٧٥.
(٦) جامع البيان ١٦/٧٥.
(٧) تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٤٢٤.
(٨) الدر المنثور ٥/٥٨٠.