وسواء كان هذا هو المقصود أو ذاك.. فهو التهديد الرعيب العنيف الذي يليق بطبيعة يهود الجاسية الغليظة كما يليق بفعالهم اللئيمة الخبيثة! وقد كان ممن ارتدع بهذا التهديد: كعب الأحبار فأسلم:
أخرج ابن أبي حاتم (١) عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَائِذِ اللَّهِ الْخَوْلانِيِّ قَالَ:"كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ مُعَلِّمَ كَعْبٍ، وَكَانَ يَلُومُهُ عَلَى إِبْطَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: بَعَثَهُ إِلَيْهِ لِيَنْظُرَ أَهُوَ هُوَ ؟ قَالَ: حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا تَالٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَقُولُ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً " فَبَادَرْتُ الْمَاءَ اغْتَسِلُ وَأَنِّي لأمِسُّ وَجْهِي مَخَافَةَ أَنْ يُطْمَسَ ثُمَّ أَسْلَمْتُ". (٢).
والتعقيب على هذا التهديد:«وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا»..
فيه توكيد للتهديد، يناسب كذلك طبيعة اليهود!

(١) - تفسير ابن أبي حاتم - (٤ / ١٨٧) (٥٤٥٢) وعمرو بن واقد متروك
(٢) - المشهور أن كعبا أسلم في أيام عمر بن الخطاب. وهناك رواية أخرى أخرجها ابن جرير عن إسلامه في أيام عمر لعلها الأوثق..( السيد رحمه الله )
قلت : الصواب في قصة إسلامه ما جاء عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: بَيْنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَهُمْ يَنْزِعُونَ وَيَخَافُونَ أَنْ تَنْزِحَ، فَجَاءَ كَعْبٌ فَقَالَ:" انْزِعُوا، وَلَا تَهَابُوا ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الرُّوَاءَ "، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَيُّ عُيُونِهَا أَغْزَرُ ؟ قَالَ:" الْعَيْنُ الَّتِي تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحِجْرِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ:" أَنَا كَعْبٌ "، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُسْلِمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى أَسْلَمْتَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؟ قَالَ:" إِنَّ أَبِي كَتَبَ لِي كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: اعْمَلْ بِهَذَا، وَخَتَمَ عَلَى سَائِرِ كُتُبِهِ، وَأَخَذَ عَلَيَّ بِحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ أَلَّا أَفُضَّ الْخَاتَمَ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْآنَ فَرَأَيْتُ الْإِسْلَامَ يَظْهَرُ، قَالَتْ لِي نَفْسِي: لَعَلَّ أَبَاكَ غَيَّبَ عَنْكَ عِلْمًا كَتَمَكَ، فَلَوْ قَرَأْتَهُ، فَفَضَضْتُ الْخَاتَمَ فَقَرَأْتُهُ، فَوَجَدْتُ فِيهِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ - ﷺ - وَأُمَّتِهِ، فَجِئْتُ الْآنَ مُسْلِمًا "أخبار مكة للفاكهي [٢ /٣٠](١٠٨٣ ) حسن
وقد ورد عن عيسى بن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلامَ كعبٍ، فقال: أسلم كعب في زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمرّ على المدينة، فخرج إليه عمر فقال: يا كعب، أسلم! قال: ألستم تقرأون في كتابكم:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) [سورة الجمعة: ٥]؟ وأنا قد حملت التوراة! قال: فتركه. ثم خرج حتى انتهى إلى حمص، قال: فسمع رجلا من أهلها حزينًا وهو يقول:"يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها"، الآية. فقال كعب: يا رب آمنت، يا رب أسلمت! مخافة أن تصيبه الآية، ثم رجع فأتى أهله باليمن، ثم جاء بهم مسلمين."تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (٨ / ٤٤٦) (٩٧٢٥ ) وفيه ضعف، لكنه أقوى من الأول بلا ريب.


الصفحة التالية
Icon