فهذا هو المنهي عنه. الميل في المعاملة الظاهرة، والميل الذي يحرم الأخرى حقوقها فلا تكون زوجة ولا تكون مطلقة.. ومعه الهتاف المؤثر العميق في النفوس المؤمنة والتجاوز عما ليس في طاقة الإنسان.
«وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً».
ولأن الإسلام يتعامل مع النفس البشرية بجملة ما فيها من مزاج فريد مؤلف من القبضة من الطين والنفخة من روح اللّه. وبجملة ما فيها من استعدادات وطاقات. وبواقعيتها المثالية، أو مثاليتها الواقعية، التي تضع قدميها على الأرض، وترف بروحها إلى السماء، دون تناقض ودون انفصام.
لأن الإسلام كذلك.. كان نبي الإسلام - ﷺ - هو الصورة الكاملة للإنسانية حين تبلغ أوجها من الكمال فتنمو فيها جميع الخصائص والطاقات نموا متوازنا متكاملا في حدود فطرة الإنسان.
وكان هذا الرسول - ﷺ - وهو يقسم بين نسائه فيما يملك، ويعدل في هذه القسمة، لا ينكر أنه يؤثر بعضهن على بعض. وأن هذا خارج عما يملك. فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ وَيَقُولُ:" اللهُمَّ إنَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ " يَعْنِى الْقَلْبَ.(أخرجه أبو داود) (١)..
وَهُوَ غَيْرُ مَلُومٍ فِي ذَلِكَ إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ فَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى الْإِشْفَاقِ وَالرَّحْمَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ اللهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْهُ فِي قِسْمَتِهِ بَيْنَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا عَنِ الْعَدْلِ مَيْلًا مِنْ قَلْبِهِ إلَى بَعْضِهِنَّ بِمَا لَمْ يَمِلْ بِمِثْلِهِ إلَى بَقِيَّتِهِنَّ، وَذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمِمَّا الْعِبَادُ فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فِي التَّحْذِيرِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَكَانَ يَمِيلُ مَعَ إحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ، أَوْ قَالَ: سَاقِطٌ " وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [النساء: ١٢٩]. أَنَّ ذَلِكَ أُرِيدَ بِهِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِكُمْ لِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ لَهُمْ عَنْهُ إذْ لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَجْتَلِبُوهُ إلَى قُلُوبِهِمْ فَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّا أَرَادَهُ مِنْ رَبِّهِ عَلَى الْإِشْفَاقِ وَعَلَى الرَّهْبَةِ مِمَّا يَسْبِقُ إلَى قَلْبِهِ مِمَّا قَدْ يَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْهُ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ غَلَبَتِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ مِثْلُ الَّذِي فِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ مِمَّا قَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - إيَّاهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا أَخْطَأَ، وَمَا تَعَمَّدَ، وَمَا أَخْطَأَهُ فَهُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ لَمَّا خَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ تَقَرُّبُهُ مِمَّا تَعَمَّدَهُ وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. شرح مشكل الآثار - (١ / ٢١٥)(٢٣٣ -٢٣٤) صحيح