ففي طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي - وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال - ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير والكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام.
ووعى الصدر الأول هذا المنهج واتجاهه فلم يكونوا يفتون في مسألة إلا إذا كانت قد وقعت بالفعل وفي حدود القضية المعروضة دون تفصيص للنصوص، ليكون للسؤال والفتوى جديتهما وتمشيهما كذلك مع ذلك المنهج التربوي الرباني:
وعن حَمَّادَ بْنِ يَزِيدَ الْمَنْقَرِىِّ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَوْماً إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لاَ أَدْرِى مَا هُوَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لاَ تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ. ذكره الدارميّ في مسنده (١)..
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قَدْ كَانَ حَدَّثَ فِيهِ بِالَّذِى يَعْلَمُ وَالَّذِى يَرَى، وَإِنْ قَالُوا لَمْ يَكُنْ قَالَ: فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ (٢).
وروى الدارميّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْماً كَانُوا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مَا سَأَلُوهُ إِلاَّ عَنْ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ، كُلُّهُنَّ فِى الْقُرْآنِ مِنْهُنَّ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) قَالَ: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ (٣).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مَا سَأَلُوهُ إِلا عَنْ ثَلاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ، كُلُّهُنَّ فِي الْقُرْآنِ، مِنْهُنَّ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ"[البقرة آية ٢١٧] وَ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ"[البقرة آية ٢١٩] وَ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى"[البقرة آية ٢٢٠] وَ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ"[البقرة آية ٢٢٢] وَ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ"[الأنفال آية ١] وَ "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ"[البقرة آية ٢١٥] مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ، قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الْمَلائِكَةُ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ
(٢) - سنن الدارمى- المكنز [١ /١٤٣]( ١٢٤) فيه انقطاع
(٣) - سنن الدارمى- المكنز [١ /١٤٦]( ١٢٧) حسن