ليرجع. لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله. درس الشورى. ثم العزم والمضي. مع التوكل على اللّه والاستسلام لقدره. وأن يعلمهم أن للشورى وقتها، ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد.
فهذا مآلة الشلل والسلبية والتأرجح الذي لا ينتهي.. إنما هو رأي وشورى. وعزم ومضاء. وتوكل على اللّه، يحبه اللّه:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».. والخلة التي يحبها اللّه ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون. بل هي التي تميز المؤمنين..
والتوكل على اللّه، ورد الأمر إليه في النهاية، هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية.
وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة: حقيقة أن مرد الأمر كله للّه، وأن اللّه فعال لما يريد..
لقد كان هذا درسا من دروس «أحد» الكبار. هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها، وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان..
ولتقرير حقيقة التوكل على اللّه، وإقامتها على أصولها الثابتة، يمضي السياق فيقرر أن القوة الفاعلة في النصر والخذلان هي قوة اللّه، فعندها يلتمس النصر، ومنها تتقى الهزيمة، وإليها يكون التوجه، وعليها يكون التوكل، بعد اتخاذ العدة، ونفض الأيدي من العواقب، وتعليقها بقدر اللّه:«إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ؟ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»..
إن التصور الإسلامي يتسم بالتوازن المطلق بين تقرير الفاعلية المطلقة لقدر اللّه - سبحانه - وتحقق هذا القدر في الحياة الإنسانية من خلال نشاط الإنسان وفاعليته وعمله.. إن سنة اللّه تجري بترتيب النتائج على الأسباب.
ولكن الأسباب ليست هي التي «تنشئ» النتائج. فالفاعل المؤثر هو اللّه. واللّه يرتب النتائج على الأسباب بقدره ومشيئته.. ومن ثم يطلب إلى الإنسان أن يؤدي واجبه، وأن يبذل جهده، وأن يفي بالتزام اته. وبقدر ما يوفي بذلك كله يرتب اللّه النتائج ويحققها.. وهكذا تظل النتائج والعواقب متعلقة بمشيئة اللّه وقدره. هو وحده الذي يأذن لها بالوجود حين يشاء، وكيفما يشاء.. وهكذا يتوازن تصور المسلم وعمله. فهو يعمل ويبذل ما في طوقه